‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات في شهر رمضان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات في شهر رمضان. إظهار كافة الرسائل

نصرة المظلوم في شهر الله

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


نصرة المظلوم في شهر الله 


الحمد الله الذي أبدأ حقائق الممكنات من أنوار آثار مشيته، وأخترع أعيان الموجودات من أشعة مظاهر إرادته، وصور حدود الماهيّات على هياكل ما أختاروه عند إجابة دعوته، ثم أمضى عليهم بما قضى إظهاراً لسعة رحمته، وإكمالاً لتمام نعمته والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي جعل جوهر عبوديته كنها لمقام ربوبيته، وخلق ربوبيات عوالم الأنوار من أسفل مراتب عبوديته وعلى آله وأهل بيته مصابيح الدجى والمثل الأعلى الذين جعلهم الله محال مشيته وألسنة إرادته ومعادن علمه وحكمته ومخازن سرّه ورسالته وآيات معرفته و حفاظ شيعته وشريعته.


{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى} (يونس:٣٥) محمدٌ وعلي وفاطمة والحسن والحسين وآلهم الطاهرين (ع) هم عين الهداية، فهم الهادين لكل الخليقة كالماء المطهّر لغيره أما هو بنفسه فطاهر مطهّر، فأخذوا يهدون الناس إلى أنفسهم ووجودهم وولايتهم ليطهروهم مما هم فيه من الغفلة والحيرة، فأمروهم بالرجوع إليهم في كل الأعمال والأحكام الشرعية والاعتقادات .. وفي كل شيء، لأنهم الوسائط بين الله وبين الخلق في التشريعيات والتكوينيات، فالقرآن نزل من عند الله تعالى على نبيه الكريم فصار واسطة في التشريع، وهم كذلك في التكوين كما ورد في حديث الكساء: "وَعِزَّتِي وَجَلالِي إنِّي ما خَلَقتُ سَّماءً مَبنِيَّةً وَلا أرضاً مَدحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمساً مُضِيئَةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجرِي وَلا فُلكاً يَسرِي إلاّ لأجلِكُم وَمَحَبَّتِكُم".


و كما قال الشاعر:

لولاه ما خــلقت أرض ولا فـلك

لولاه لم يقترن بالأول الثاني

 

لولاه ما وجدوا كفواً لفاطمة 

لولاه لم يفهموا أسرار قرآن



ومن حكمة الله عز وجل أن جعل لكل زمان إماماً مفترض الطاعة، وإمام هذا الزمان هو الحجة ابن الحسن المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} (الرعد:٧۷) ونحن نفتخر بأننا خدامه (سلام الله عليه) .. خدام لهذا الإمام الذي يدير الوجود كله بكل عوالمه ومخلوقاته بإرادته، فلا حول ولا قوة لأي مخلوق إلا بإذنه ونظره، لكن من اتصلت يده بيد هذا الإمام العظيم صاحب الولاية الكلية الإلٰهية فهو قادر على كل شيء مصداقاً لقول الجليل "عبدي أطعني أجعلك مثلي، أنا أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون".


وفي هذا الشهر .. شهر الله كل المؤمنين والموالين يتنعمون في ضيافة الله، ولكن الله ينتخب من عباده الصالحين ويدعوهم إلى حضرته بكيفية خاصة كما دعا أجدادي الحكيم الإلٰهي الميرزا موسى الحائري الإحقاقي، ومن بعده عمي المقدس بطل الولاية الميرزا علي الحائري، وأخيراً والدي المقدس الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري وحتى والدتي الشريفة .. تلك الموالية توفيت في شهر رمضان ونحن على طريقهم سائرون إن أراد الله ذلك ودعانا إلى ضيافته.


وتتنوع العبادات في هذا الشهر على مائدة الله، فلا تغفل أيها الصائم عن اللب وتتوجه إلى القشر، فكما أن القرآن فيه تبيان لكل شيء فهم تبيان للقرآن، ولولاهم لم يفهم أحد كلام الله لا ظاهره ولا باطنه، بل لولاهم لم يدرك أحد حتى قواعده وطريقة تلاوته، فكيف لا نحتاجهم؟! 

فظاهر القرآن هو كلمات الله تبارك وتعالى أما باطن القرآن فهو ولاية محمدٍ وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.


فانظر في التاريخ وفي حرب صفين على وجه الخصوص ترى الذين تمسكوا بالحبر المكتوب على الورق ضلوا عن الحق لأنهم غفلوا عن القرآن الناطق، وهنا يظهر الفرق بين أعاظم الرجال وبين أعرابهم .. بهذا الأمر تعرف الفرق بين سلمان المحمدي الذي أدرك القرآن الناطق ودافع عنه وبين بقية الرجال، فمن أهم العبادات نصرة المظلوم وخصوصاً علماء الدين والحصون المنيعة الحامية لبيضة الإسلام لا سيما شيخنا الكبريائي الأوحد (أحمد ابن زين الدين الإحسائي رضوان الله عليه، فعلينا أن نعلن ونجهر بمقام هذا العالم الإلهي الملكوتي .. بعلومه وكتبه وتحقيقاته وتفسيراته التي استقاها من علوم أهل البيت (ع)، فما من أحد في التاريخ قام بنصرة مواليه كما نصرهم هو (أعلى الله مقامه).


نفعنا الله وسائر المؤمنين والمؤمنات بدعائه ووفقنا للجهاد في سبيله لصد الحاسدين والغافلين، لعل الله يهديهم إلى سواء السبيل وإلى صراطه المستقيم.





الصيام غسل ووضوء معنوي(شهر رمضان)

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


الصيام غسل ووضوء معنوي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،  واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.


شهر رمضان هو شهر الله شهر تهذيب النفس والجسم معاً بالابتعاد عن المعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها والالتزام بأحكام الصيام.


أبنائي ... أن شهر الصيام في الحقيقة هو غسل ووضوء معنوي حقيقي كما أن الوضوء والغسل الواجب منهما  والمستحب مقدمة للعبادات ومطهرة لظاهر الجسم كذلك الصيام يطهر الإنسان ظاهرا وباطنا من الذنوب والشرك اللذان هما أصل النجاسات، ان الصوم عندما يطهر المعدة بالجوع فإنه بذلك يطهر الروح ويرفع الحجب عن العقل بشرط عدم ملئ المعدة عند الإفطار. 


لقد كان والدنا المقدس الإمام المصلح قدس سره يحذر من الإسراف في اللذات الدنيوية الظاهرية لأنها تستر العقل فالمعدة بيت الداء ومحل للشياطين توصل صاحبها لمرحلة التجبر والتجاسر على أحكام الله والتجرأ على أهل بيت العصمة عليهم السلام ونوابهم وأتباعهم، بينما الصيام يجعل القلب محلاً للملائكة.


إن صوم الجوارح كالسمع والبصر لا يقل أهمية عن صوم البطن عن الأكل والشرب، وحرمة الذنوب في هذا الشهر أشد من حرمتها في باقي الشهور لأنها تحرم مرتكبها من بركات الله في هذا الشهر الشريف.


أبنائي ليست الغيبة والنفاق هي فقط من معاصي الجوارح بل حتى الاستماع لها والإقبال على أهلها تعتبر من المعاصي أيضا، فالمقبل على المنافق مدبر عن الله والمعرض عن المنافق مقبل على الله والجلوس في مجالس أهل البهتان والنفاق خروج من الجنة ودخول في النار والخروج من مجالسهم خروج من النار ودخول في الجنة.


فنسأل الله تبارك وتعالى أن يصفينا أولا ثم يقربنا من محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة.


اللهم اجعل حياتنا حياة محمد وآل محمد ومتصلة بحياتهم في الدنيا والآخرة، اللهم اجعل مماتنا ممات محمد وآل محمد. 


لأنه ليس لهم يوم يموتون فيه، ولا أبقانا الله ليوم ليس فيه آل محمد . 


قال تعالى {وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} كذلك شيعتهم خالدون إلى أبد الدهر لا يفنون بل ينتقلون من حال إلى حال من الدنيا إلى الجنان مع محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.


فالأعمال العبادية والإقرار بالولاية الكلية العظمى لمحمد وال محمد هي القابلية لاستحقاق الشفاعة التي هي متممة لنقص القابليات عند البشر فالشفاعة لنجاة أصحاب الذنوب من جهة، ولرفع درجات الأولياء الكاملين من جهة أخرى فلا أحد يدخل الجنة بعمله بل برحمة الله الواسعة التي هي شفاعة محمد وآل محمد عليهم السلام.




شهر الله (مرور عام على وفاة الإمام المصلح قدس سره)

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


شهر الله


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،  واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.


في هذا الشهر العظيم تمر علينا ذكرى مناسبتين اليمتين وعظيمتين ألا وهما ذكرى استشهاد أمير المؤمنين وسيد الوصيين، وحجته على العالمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، أمير البررة، وأعظمهم حسبا، وأكرمهم نسبا، وارحمهم بالرعية، وأعد لهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأكثرهم علما، وأوفرهم حلما، وأشجعهم قلبا، وأسخاهم كفا، وأخوفهم لله عز وجل، وأعظمهم عناء، وأكثرهم بلاء، وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الإمام الباهر، والبحر الزاخر، والسيف الباتر، وقسيم الجنة والنار، وإمام الأخيار، أسد الله الغالب، وصاحب المناصب والمناقب، المرتضى علي بن أبي طالب عليه السلام فعظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الجلل. 


وأما الذكرى الثانية هي مرور عام على وفاة مرجعنا الديني الكبير الإمام المصلح والعبد الصالح والدي المعظم الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره الشريف. 


لقد قضى هذا المرجع العظيم الذي أحبه العدو قبل الصديق  لقد قضى هذا المرجع العظيم الذي عاش مصلحا ومات أباً للمصلحين!


قضى هذا المصلح ذو الاستقامة والدعوة إلى الخير. وذو العبقرية التي أبت وترفعت ومضت في طريق الإنسانية والكرم الإنساني لا تهادن ولا تلين!


لقد انفق هذا المرجع العظيم كل حياته وماله في خدمة الدين وأهل البيت عليهم السلام ولم يخلف درهما واحدا إلا أوقفه في خدمتهم عليهم السلام. 


قضى هذا المرجع العظيم الذي بأياديه البيضاء ملئت ربوع العالم بمؤسساته وخيراته وعطفت تمسح على رأس اليتيم والفقير والمسكين براحت كفيه المباركة تسكن آلامهم وجوعهم وعطشهم. 


قضى هذا المرجع العظيم ومازالت كلماته وأخلاقه الفاضلة وإنسانيته ترن أسماعنا وأذهاننا حيث شبهها أكثر العلماء الأعلام ووجهاء العصر بأخلاق رسول الله (صلى الله عليه و آله)، وكذلك شبهوا جوده وسخاءه وصلحه بالإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه، وانتصاره على أشباه معاوية في هذا الزمان، مقتديا بمولاه المظلوم الإمام الحسن عليه السلام، والتي بذكرى ولادته الميمونة الطاهرة في هذا الشهر العظيم أبت الأقدار الإلهية إلا أن تستضيفه وتزف روحه الطاهرة إلى جنات الخلد مع الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام.


فيالها من مدرسة عظيمة درّس فيها السابقون واللاحقون مقتبسة منها الإصلاح والصلاح لروحها وجسدها داعية إلى الوحدة ووحدة الكلمة. 


فسلام عليك أيها الإمام المصلح يوم ولدت عظيما ومت على الأرض عظيما ويوم وارى جثمانك الطاهر محبيك إلى مثواك الأخير ويوم تبعث حيا. 


أيها المؤمنون، وبحلول شهر رمضان المبارك، نبارك لكم صيامه وقيامه في لياليه وأيامه، حيث أن صوم هذا الشهر كله خير كما قال تبارك وتعالى: {وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} خير للأبدان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "صوموا تصحوا" فصحة الأبدان بالصيام والتقليل من الشراب والطعام، فإذا صح البدن وأصبح سالما أصبح العقل سالما، والشعور سالما، والتدبير لأن العقل السالم في البدن السالم كما قالوا. 


وأما أنه خير للأرواح، فالروح ترتاح في البدن السالم والجسد الخفيف وتكون حرة تشتاق إلى عبادة ربها وسوق الخيرات إلى نوعها وهكذا. وأما أنه خير للمجتمع، فإذا صام المؤمن الغني وجاع تذكر جوع إخوانه المساكين وواساهم بماله.


وأما أنه خير للأخلاق، فالأمانة والصبر والحياء والمواساة من مكارم الأخلاق التي توجب تقدم الفرد والجماعة في تنازع الحياة والقوة والاستقلال.


فالصوم رياضة شرعية عقلية للوصول إلى الأخلاق الفاضلة النافعة، فإذا تمرنت ثلاثين يوما صارت هذه الخصال الحميدة والصفات المحمودة فيك عادة فتنقذك من أرض الناسوت وتطير بك إلى سماء الملكوت بشرطها وشروطها ومن شروطها الإيمان بالعمل و اليقين بمنافعه.


وفي الختام أسال الله العلي القدير في هذا الشهر الفضيل ان يمن على سمو أمير البلاد بموفور الصحة والعافية وأن يرجعه إلى أرض الوطن سالماً غائماً. وأن يحفظ الله أمير الكويت وشعبها من كل سوء ومكروه.






وانقضى شهر الله

سماحة الحكيم الالهي والفقيه الرباني المولى

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


وانقضى شهر الله ..


بسم الله الرحمن الرحيم


 اللهم صل على محمد وآل محمد


حيث كنا نرتع في ضيافة الرحمن بعد طول وقوف على الباب ننتظر الإذن بالدخول ، وفي شهر رمضان انفتحت أبواب الخير و استضافنا الجليل تحت كساء الرحمة والمغفرة والتوبة ليبني داخل كل واحد منا الإنسان الكامل، وذلك عن طريق منهج سماوي وتربية إلهية دامت شهرا روحانيا بما فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.


فالدين الإسلامي فيه الكثير من الأسرار والحكم والعلاجات التي حتماً يحتاجها ذلك الإنسان الذي نزل إلى الأرض بقصد الخلافة وتنفيذ مشيئة الله وإرادته ، والصيام من أعظم الدروس التي تخلق إنساناً جديداً كاملاً كما أراده الله تعالى فلا بد أن تجد نفسك بعد شهر من التربية الخاصة جداً والتأدب في محضر الجليل وقد لبست لباس التقوى { وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ} وهذا اللباس يحمل في طياته أبهى الحلل من الشكر لله والتوبة والمحبة ، والأعظم من كل هذا هو الوقوف على العبودية المطلقة الخالصة لله تعالى التي تعطي للعبد قيمة ومعنى ورتبة لا يشاركه فيها أحد من الخلق .


و هذا الأمر لا يكون إلا بالعودة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها التي تجعل الإنسان لا جزوعاً ولا هلوعاً ولا مانعاً ، و إنما صبوراً كريماً و سخياً ، و ليس من طريق أفضل من العبادات حتى تغلب الفطرة على الطبيعة فتتذكر العهود و المواثيق التي عانت في عالم الذر .


كل الخطايا تأتي من توجهك لرغباتك وشهواتك فتغفل عن جهة عقلك وهي جهة النور ، فتحجب عن مشاهدة جمال رب العالمين بما حملت نفسك من الموهومات من حب الدنيا والشهوة وحب النفس وحجبت بكل صنم يشترك مع الله في قلبك .. وكل إنسان يعلم أصنامه جيداً ، في حين أنك مأمور بالخروج من شباك هذه الدنيا الدنية و الصعود عروجاً إلى حيث مبدأك النوراني ، و هذا لا يكون إلا إذا اتخذت من الآية الشريفة قاعدة يومية لتعاملاتك مع الدنيا : { وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } .


وما علينا إلا أن نفهم قلوبنا معنى الكمالي الجمال الحقيقي ، و أنه لا كامل على الإطلاق سوى الله ، و لسان حالنا يقول : { قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ } فهو جمال بلا عيب و كمال بلا نقص و خير بلا شر و نور بلا ظلمة ، و ليس لموجود كمال ولا جمال ولا نور ولا بهاء إلا بجماله سبحانه و الذي محل تجليه الوجود الأقدس لمحمدٍ و آل محمد (ص) .


نحن كبشر لنا وجهان فطيران : وجه النفور من النقص و الناقص ، ووجه العشق للكمال و الكامل ، و هذا الأمر قد لا يكون ظاهراً و يختلف من شخص لآخر بحسب تشخيصه للكمال و النقص و لكن يظل نور الفطرة يهدي إلى  الكمال ويدعو للتوجه إلى الكامل الذي بدأ به الجليل خلقه وافتتح الوجود به لأنه الأشرف على الإطلاق "بكم فتح الله وبكم يختم" فيتعلق وجودنا بهم عليهم السلام في كل خطوة تخطوها وفي كل نفس نتنفسه.


فكل ما كلفت به من عبادات هو دعوة للعودة إلى الفطرة المستنيرة ، فتصير إنساناً جديداً ، وإذا أخلصت النية وجردت القلب عن كل متعلقاتها وصلت إلى عالي الدرجات بتمام المعرفة واليقين "أعبد الله حتى يأتيك اليقين"


ولكن ، وبعدما انقضت هذه السفرة الروحية عليك أن تحذر من أن تفقد المقامات العلية التي جنيتها بكرم من ذلك المضيف الرحيم وبمن من الله تعالى ، فتمسك بذلك الإنسان الجديد المخلوق في محضر الله عز وجل.. ذلك الإنسان الكامل صاحب الروح القوية والعقل النوراني البعيد عن الشهوات والدنيا والنفس ، واحذر أن تطلق العنان لنفسك بعد أن حبستها في سجن الإنابة والتوبة.. وبعد أن أدبتها بسياط الخشوع والرهبة ، فلا تقبل بها سيداً لوجودك ، فالإنسان أجل وأشرف من ينغمس في رذائل وقذارات هذه النفس المظلمة .


لقد زرعت في مثل هذا الشهر العظيم رياض غناء من التقوى ، و رفعت الكثير من الموانع و الحجب فتطورت ظاهراً و باطناً و صرت مؤهلا للقرب و الوصل ، فلا تلوث نفسك بالمعاصي من جديد … ولا تلقي على عقلك و روحك حجابا تحرمك من الدخول ثانية إلى حضيرة القدس بعدما كنت معه في مقام الأنس المحبة ، فسمعت النداء الإلهي من جانب الطور الأيمن : {وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى} فتلذذت بمناجاة الحبيب … و شربت أنوار المحبة … و تنفست روايح الجنة … فهل تختار على الجنة شيء ؟؟






أسرار الصيام

سماحة الحكيم الإلهي و الفقيه الرباني المولى 

ميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي حفظه الله


أسرار الصيام


بسم الله الرحمن الرحيم


 اللهم صل على محمد وال محمد


 يقول تعالى في محكم التنزيل : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .


وقال الرسول الأعظم (ص) : «أصل الإسلام الصلاة وفرعه الزكاة و ذروته الصيام و سنامه الجهاد» .


 في الحديث السابق يذكر الرسول الأعظم (ص) أن الصيام ذروة الإسلام ، أي أنه يمثل القمة ، فإلى جانب أن للصائم أجر صبره على الجوع والعطش واجتناب الشهوات وهو نوع من التدريب الإلهي لعبده على شدائد الآخرة ، لأن كل ما في الدنيا فهو إشارة إلى ما سيحصل في الآخرة ، وهذا سيظهر واضحاً في يوم القيامة ، لأن فيه إمساك تام عن جميع شهوات النفس لأننا بين يدي العزيز الجبار ، فنكون في أعلى حالات الفقر والذلة .


كذلك فإن الصيام يعطي إحساس بالذلة والاستكانة والخشوع والفقر عند الصائم وهذه أول مراتب العبودية و التقرب إلى الله عز وجل ، فإذا أردنا أن نحصل على أعظم النتائج من هذا الصيام ليكون هذا الصوم حجاباً مانعاً من عذاب الآخرة ، يجب أن نتبع الطريقة التي ذكرها أهل البيت في مطاوي أحاديثهم.


نبدأ الصيام بنية الكف عن الشهوات ، و قطع جميع الخيوط التي تربطنا بالشيطان ، ولكن يجب الالتفات إلى أن الهدف الأساسي هو الوصول إلى الطهارة الباطنية ، فكل ما التزم به ظاهراً يجب أن ينعكس على الباطن ، فإذا منعت نفسي عن الطعام والشراب والشهوات بنية الصيام ، و ارتقي إلى أن أرى نفسي كالمريض الذي لا يشتهي طعاماً ولا شراباً ولا أي من شهوات الدنيا لأنني أرغب في الشفاء من المرض ، فكذلك الباطن .. يجب أن يمتنع عن كل توجه إلا لله عز وجل ، وينقطع انقطاعاً خالصاً لوجه الله لأن هذا شهر الله فوجب الكف والإمساك عن كل ما سواه ، وكما أنك في كل لحظة توقظ قلبك ونفسك وشعورك كي لا تنسى وتمتد يدك إلى نوع من الطعام والشراب ، فاجعل قلبك ونفسك وعقلك في حال من اليقظة كي لا يعمل ولو للحظة ويلتفت إلى ما سوى الله ،  فتحس بحرارة الشوق للقاء المحبوب وهو الله كما أحسست بحرارة العطش و الظمأ .


والصيام كان نوع من العلاج الذي فرضه الطبيب وهو الله على مرضاه وهم نحن الذين أثقلتنا الذنوب والكدورات ، فكثرت الحجب بيننا وبين ربنا فلم نعد نر جمال المحبوب الحقيقي إلا من خلال هذه النفس الثقيلة مثل الزجاج المغشى بالأصباغ الكثيفة ، فالموالي فرع لهم وهو مخلوق من فاضل طينتهم فهو نور  بحت ، ولكن ما عرض عليه من ذنوب و غفلة و غيرها أعطت هذا النور شيء من الظلمة كالصبغ الذي على الزجاج متى ما أزيل هذا الصبغ رجع الزجاج كما كان شفافاً لامعاً يمر من خلاله النور كأحسن ما يكون ، فلكي يوصلنا الجليل إلى مرحلة الشفافية بإزالة الكدورات ورفع الذنوب التي عملت عمل الصبغ و أعظم هذه الذنوب هي الغفلة الإعراض عن معرفة مقامات ومراتب أهل العصمة عليهم السلام والمراد بها الحكمة ، ففرض علينا الصيام ، و أرادنا أن نتفكر في عظمة هذا الشهر الذي تظهر فيه عظمة الله تعالى وسلطانه وقدرته ، وكيف ذلك ؟؟ اعلم أنه من العوالم الأولى كان هذا الشهر عظيماً ، فبدء وقوف الخلائق بين يدي الله في عالم الذر كان في هذا الشهر، حيث عرضت الخلائق على الله فألقى عليها التكليف بتوحيد الله و نبوة النبي (ص) وولاية الأئمة (ع) ، فتم تقدير الآجال من طول العمر وقصره ، وتم تقدير الأرزاق و تم تقدير أن هذا الإنسان شقي أم سعيد و غيرها على حسب جواب كل مخلوق على حدة .


هذا التقدير تم في الثلث الأخير من ذلك اليوم من عالم الذر ، لذلك كان التقدير في الثلث الأخير من هذا الشهر وهي ليالي القدر التي بها تتنزل الملائكة على الإمام مفترض الطاعة ليقدر آجال العباد وأرزاقهم في هذا اليوم على حسب ما يرد عليه من أعمالهم ، وهو قوله : {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} ، فكل أمر يعرض في هذا اليوم على صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)


وعين ما حصل في عالم الذر ويحصل في الدنيا يحصل يوم القيامة ،  وهو قوله تعالى : {وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} وهو يوم قيام القائم و يوم الرجعة ويوم القيامة ، وهو ظاهراً شهر رجب و شهر شعبان و شهر رمضان ، وهو نهاية النهايات وغاية الغايات لكل العوالم فإن الله تعالى يقول في محكم التنزيل : {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} فكل الأشهر والأيام لله فلماذا يقول يومئذ ، إنه يقصد شهر رمضان ، وذلك لأنه الأصل وباقي الشهور قشور بالنسبة لهذا الشهر ، فالدنيا محل الظواهر والقشور ، و أما الآخرة فهي محل الحقائق ، وكل مخلوق سيرى كل شيء على حقيقته في يوم القيامة ، كما قال تعالى {فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي أننا نرى ما لم نكن نراه في الحياة الدنيا ، ففي الثلث الأول من يوم القيامة يحشر الناس ، وفي الثلث الثاني يعرضون للحساب على ولي الله الأعظم ، وبعدها في الثلث الأخير من ذلك اليوم العظيم تقدر للكل منازلهم على حسب عمله ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر ،  يعني عين ما يحصل في الدنيا وما حصل في عالم الذر فإنه يحصل في يوم القيامة .


وكما أن شهر رمضان بعده عيد فإنه في يوم القيامة يكون العيد للمؤمنين بدخول الجنة و يكون أوله في مقام الكثيَّب الأحمر ، ثم مقام الرفرف الأخضر ثم مقام أرض الزعفران ثم مقام الأعراف ، إلى أن يصل أعلى المقامات التي لا نهاية لها وهو مقام الرضوان الذي قال فيه يقول الجليل {وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}


وقد فرض الصيام ثلاثين يوماً ، فقد قال النبي الأعظم : «أن سيدنا آدم لما أكل من الشجرة المحرمة ونزل إلى الأرض بقي في بطنه مقدار ثلاثين يوماً مما أكل ، فأمره الله بالصيام ثلاثين يوماً لتذهب كدورة هذا الذنب ، وبذلك صار فرضاً على كل ابن آدم» .


فبالجوع تخف الأجساد وبالعطش تنشف فيذهب عنها الكسل و الرغبة في النوم ، لأن كثرة النوم تورث الندم يوم لا ينفع الندم لأنها تدع الإنسان فقيراً يوم القيامة ، فإذا أثقل الإنسان بالطعام يشعر بالرغبة بالنوم وهذا يمنعه من التهجد ، من التوسل ، من الدعاء في السحر وقد يحرمه حتى من صلاة الليل ، كما أن الصيام يعني حرمان هذا الجسد مما يحب ،  ومطالب الجسد لا تأتي إلا من النفس الأمارة ، فإذا امتنعت عما تطلب فإنك بذلك تكسر هذه النفس فتقوى الروح على الجسد ، وقد قالوا (ع) : «الجوع إدام الروح» ، فبالجوع يزداد الفهم و الحفظ و يخف الجسد لفعل الطاعات وقد ورد عنهم (ع) : «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع و العطش …» .


وأما الهدف الحقيقي للصيام فهو المتجلي بقول أمير المؤمنين (ع) : «أنا الصيام» . 


فالهدف من أي عبادة ومنها الصيام هو انجلاء الحجب وانكشاف المعلوم وهو إظهار حقيقة الولي التي أراد الله أن تكون في كل شيء من مخلوقاته ومنها العبادات . 


لأن الولي هو المثل الأعلى و هيكل التوحيد و شجرة طوبى والآية العظمى لله .


فخلاصة الأمر أن نقابل جميع شهواتنا التي تمثل أكبر حجاب بيننا وبين ربنا بإشراق شمس العناية المحمدية العلوية ليحترق وجودنا بذلك النور ، فنتطهر من جميع الرذائل ، فلا نرى نور إلا نورهم ولا نسمع صوت إلا صوتهم عليهم صلوات الله وسلامه .