خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
نصرة المظلوم في شهر الله
الحمد الله الذي أبدأ حقائق الممكنات من أنوار آثار مشيته، وأخترع أعيان الموجودات من أشعة مظاهر إرادته، وصور حدود الماهيّات على هياكل ما أختاروه عند إجابة دعوته، ثم أمضى عليهم بما قضى إظهاراً لسعة رحمته، وإكمالاً لتمام نعمته والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي جعل جوهر عبوديته كنها لمقام ربوبيته، وخلق ربوبيات عوالم الأنوار من أسفل مراتب عبوديته وعلى آله وأهل بيته مصابيح الدجى والمثل الأعلى الذين جعلهم الله محال مشيته وألسنة إرادته ومعادن علمه وحكمته ومخازن سرّه ورسالته وآيات معرفته و حفاظ شيعته وشريعته.
{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى} (يونس:٣٥) محمدٌ وعلي وفاطمة والحسن والحسين وآلهم الطاهرين (ع) هم عين الهداية، فهم الهادين لكل الخليقة كالماء المطهّر لغيره أما هو بنفسه فطاهر مطهّر، فأخذوا يهدون الناس إلى أنفسهم ووجودهم وولايتهم ليطهروهم مما هم فيه من الغفلة والحيرة، فأمروهم بالرجوع إليهم في كل الأعمال والأحكام الشرعية والاعتقادات .. وفي كل شيء، لأنهم الوسائط بين الله وبين الخلق في التشريعيات والتكوينيات، فالقرآن نزل من عند الله تعالى على نبيه الكريم فصار واسطة في التشريع، وهم كذلك في التكوين كما ورد في حديث الكساء: "وَعِزَّتِي وَجَلالِي إنِّي ما خَلَقتُ سَّماءً مَبنِيَّةً وَلا أرضاً مَدحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمساً مُضِيئَةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجرِي وَلا فُلكاً يَسرِي إلاّ لأجلِكُم وَمَحَبَّتِكُم".
و كما قال الشاعر:
لولاه ما خــلقت أرض ولا فـلك
لولاه لم يقترن بالأول الثاني
لولاه ما وجدوا كفواً لفاطمة
لولاه لم يفهموا أسرار قرآن
ومن حكمة الله عز وجل أن جعل لكل زمان إماماً مفترض الطاعة، وإمام هذا الزمان هو الحجة ابن الحسن المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} (الرعد:٧۷) ونحن نفتخر بأننا خدامه (سلام الله عليه) .. خدام لهذا الإمام الذي يدير الوجود كله بكل عوالمه ومخلوقاته بإرادته، فلا حول ولا قوة لأي مخلوق إلا بإذنه ونظره، لكن من اتصلت يده بيد هذا الإمام العظيم صاحب الولاية الكلية الإلٰهية فهو قادر على كل شيء مصداقاً لقول الجليل "عبدي أطعني أجعلك مثلي، أنا أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون".
وفي هذا الشهر .. شهر الله كل المؤمنين والموالين يتنعمون في ضيافة الله، ولكن الله ينتخب من عباده الصالحين ويدعوهم إلى حضرته بكيفية خاصة كما دعا أجدادي الحكيم الإلٰهي الميرزا موسى الحائري الإحقاقي، ومن بعده عمي المقدس بطل الولاية الميرزا علي الحائري، وأخيراً والدي المقدس الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري وحتى والدتي الشريفة .. تلك الموالية توفيت في شهر رمضان ونحن على طريقهم سائرون إن أراد الله ذلك ودعانا إلى ضيافته.
وتتنوع العبادات في هذا الشهر على مائدة الله، فلا تغفل أيها الصائم عن اللب وتتوجه إلى القشر، فكما أن القرآن فيه تبيان لكل شيء فهم تبيان للقرآن، ولولاهم لم يفهم أحد كلام الله لا ظاهره ولا باطنه، بل لولاهم لم يدرك أحد حتى قواعده وطريقة تلاوته، فكيف لا نحتاجهم؟!
فظاهر القرآن هو كلمات الله تبارك وتعالى أما باطن القرآن فهو ولاية محمدٍ وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
فانظر في التاريخ وفي حرب صفين على وجه الخصوص ترى الذين تمسكوا بالحبر المكتوب على الورق ضلوا عن الحق لأنهم غفلوا عن القرآن الناطق، وهنا يظهر الفرق بين أعاظم الرجال وبين أعرابهم .. بهذا الأمر تعرف الفرق بين سلمان المحمدي الذي أدرك القرآن الناطق ودافع عنه وبين بقية الرجال، فمن أهم العبادات نصرة المظلوم وخصوصاً علماء الدين والحصون المنيعة الحامية لبيضة الإسلام لا سيما شيخنا الكبريائي الأوحد (أحمد ابن زين الدين الإحسائي رضوان الله عليه، فعلينا أن نعلن ونجهر بمقام هذا العالم الإلهي الملكوتي .. بعلومه وكتبه وتحقيقاته وتفسيراته التي استقاها من علوم أهل البيت (ع)، فما من أحد في التاريخ قام بنصرة مواليه كما نصرهم هو (أعلى الله مقامه).
نفعنا الله وسائر المؤمنين والمؤمنات بدعائه ووفقنا للجهاد في سبيله لصد الحاسدين والغافلين، لعل الله يهديهم إلى سواء السبيل وإلى صراطه المستقيم.