وضع العالَم عند ظهور الإسلام

 

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


وضع العالَم عند ظهور الإسلام


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف  الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين آمين رب العالمين .


كان جميع أهل الدنيا حتى أرباب الأديان في بداية الظهور النوراني لدين الاسلام المبين ، وقبل أن يملأ نبينا المحبوب بدعوته السامية فضاء العالم بالنداء الملكوتى (الله أكبر) (ولا اله الا الله) (وقل هو الله أحد) كانوا جميعا في كفر وشرك وضلال ، ولم يكن يشاهد في أية نقطة من العالم مظهر للتوحيد .


قال الامام الصادق عليه السلام: بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، لولانا ما عرف الله، ولولانا ما عبد الله.


فالزردشتيون والمجوس كانوا يعبدون (هورمز) و  (أهريمن) بدلا من عبادة الله عز وجل وكانوا يعتبرون الاله مركبا من أصلين وهما النور والظلمة أو ( يزدان واهريمن) كما كانوا يعبرون . 


وكانوا يقسّمون الدنيا ومقدراتها بين هذين القسمين، فكل منهما يحكم قسما منها. 


واليهود والمسيحيون كانوا يعتقدون بآلهة عديدة ، وقد غير رجال دينهم من (الحاخامات) و (القسيسين) شريعة موسى وعيسى التوحيدية على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وفق آرائهم الدنيوية وحب الذات، حتى جعلوا لله ولدا، كما يشير الله الى ذلك في القرآن الكريم فيقول:  {وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}


كان هذا وضع أهل الكتاب في ذلك اليوم ، ومنه يعلم حال المشركين وسائر الجماعات الضالة ، كاليونانيين القائلين بتنوع الأرباب ، والهنود والصينيين عبدة الأصنام، وعباد  (بوذا) كانوا يخوضون في ظلمات الشرك والضلال دون أن يستقروا على حال .


وفي هذه المرحلة المظلمة من التاريخ الانساني حيث انتشرت عبادة الاصنام وعبادة الذات والطاغوت بدلا من التوحيد وعبادة الله عز وجل ، كان أبناء البشر محبوسين في المضائق المظلمة والخطرة التي صنعها رجال الدين الضالين و (الحاخامات) و (القساوسة) بمساعدة الملوك و (القياصرة) و (الخاقانيين). 


وفجأة أشرقت شمس الاسلام بأمر الله عز وجل من خلف جبال الحجاز  وسطعت كلمة التوحيد من بين شفاه رسول الله صلى الله عليه وآله المباركة ، فأضاءت عالم الظلام كله في ذلك اليوم بنور التوحيد و عبادة الله عز وجل. و ألغيت عبادة كل ما سوى الله جل وعلا.


وقد شمل فجر التوحيد في ذلك اليوم، العالم المتمدن كله ، من جدار الصين وحتى سواحل المحيط الأطلسي فجعلها تحت انوار {قل هو الله أحد} مما ألقى خوف الفضيحة على (الحاخامات) و (القساوسة) الظالمين عشاق المال وعبدة الدنيا وعبدة الذات ، فوضعوا رؤوسهم تحت طيالستهم ، ودخل الخوف على قلوب الأكاسرة والقياصرة القاسية. 


لقد بعث رسول الاسلام بالقرآن الكريم الذي هو رسالة الانسانية ودستور البشرية لنجاتها ولابلاغ التوحيد ونشر وترويج دين الله عز وجل في الأرض . 


وقد نصّب الله عز وجل ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله الأئمة الأطهار -عليا وآل علي عليهم السلام- معلمين للتوحيد ، وحافظين للدين، ومفسرين للقرآن ، ومعرّفين للاسلام، ومربين للبشر . 


فهم الذين حفظوا الاسلام والقرآن من أيدى المتلاعبين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، هذه الأمانة الالهية العظيمة ، وعلموا الناس التوحيد والاسلام والانسانية، وحفظوا بأرواحهم حدود وثغور عبادة الله عز وجل من خطر الشرك والعودة الى الجاهلية. 


 وهم الذين تصدوا لبني امية وبني العباس الذين جددوا نظام الاستبداد والسلطنة بشكل افجع وأخطر مما كان عليه في الجاهلية. 


واتخذوا العمامة بدل التاج، وأحيوا في حكمهم سنن البربرية والطغيان، فضحى أهل البيت عليهم السلام بأنفسهم واصحابهم وحفظوا بيضة الاسلام الى يوم القيامة من هذا الخطر الجسيم ، وفضحوا خلفاء الشورى والأئمة المصطنعين الى يوم المحشر. 


ولذا يقول الامام الصادق عليه السلام معلم التوحيد والقرآن الكبير: "بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، لولانا ما عرف الله ، ولولانا ما عبد الله".