حقيقة محبة أهل البيت (ع)

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


حقيقة محبة أهل البيت (ع)


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف  الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين آمين رب العالمين .


جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمة، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي"


إن الأسباب الموصلة إلى محبة أهل البيت (ع) هي بعينها مما توصل العبد الطالب إلى درجة محبة الله تبارك وتعالى على نحو أتم وطريق أكمل، فإن شرايف صفاته تعالى في أعلى رتبة الكمال، وبهاء نور جماله في أسنى درجة الجمال، وهو الكامل بالذات المستجمع لجميع ما يستحسن من الصفات، والمنتهى إليه جميع النعم التي عمت الموجودات، وكلما في غيره فهو رشحه من بحار جوده وجميع ما يصل إلى العباد بتوسطهم (ع)، فبفضله خلع عليه لباس وجوده.


فأين أنت أيها المؤمن من محبة قوم هم حقيقة الإيمان ورضا الرب المنان وأصل كل بهجة وسرور مذخور في الجنان.


يا أخي أتعرف ما المقصود من محبتهم (ع). 


أعلم أيها المؤمن وفقك الله لطاعته أن المعصومين عليهم السلام أجمعين لما كان الدين الحنيف والشريعة الغراء أعز عليهم وأغلى من أنفسهم وأولادهم وأموالهم - فتراهم عليهم السلام قد تحملوا مالم يتحمله أحد غيرهم في سبيل تثبيت دعائمه ورفع راياته - فقد شردوا من ديارهم وطوردوا من بلد إلى بلد حتى قضوا بحد السيوف وفي ظلمات وغياهب السجون - فهذا دليل يثبت أن حرمة الدين ورضا الرب أهم عندهم عليهم السلام من كل شئ وبعد هذا فما تقول فيمن قتل ولداً للنبي (صلى الله عليه وآله) أما يكون عدواً لهم بغير شك؟


ولو قال أنه يحب النبي وآله عليهم السلام - ألن يعلم كل عاقل أنه يكذب وأنهم أعدائه ولا تنفعه الأماني - فإذا عرفت ذلك فأعلم أن من ضيع حدود الشريعة وحرمتها وهون بها وقطع موصولها ووصل مقطوعها وأستخف بها وآثر عليها وصغر بها فإن ذلك يكون عندهم عليهم السلام أعظم ممن قتل أولادهم واستخف بحرمتهم أو هون بهم أو صغر منزلتهم لأنك عرفت سالفاً أن حرمة الدين عندهم أعز وأهم من حرمة الأولاد والأنفس فإذا قال العبد المسكين بعد تهاونه بشئ من أمور الدين كالصلاة مثلاً أنه من محبيهم وتعلق بهذه الأماني ومال إلى التواني فينبغي أن يعرف أنه مبطل بدعواه، وأنهم صلوات الله عليهم إلى عدواته أقرب من محبته.


أما المحبين حقيقة فهم الذين يحبون ذواتهم وصفاتهم وأفعالهم التي هي مصداق الشريعة الغراء ويفرح في أيام فرحهم ويكثر ذكرهم والشوق إليهم ويحزن لأيام حزنهم كهذه الأيام التي كان فيها حرم رسول الله على ظهور المطايا يطاف بهم في البراري ويشهر بهم في الأمصار فيبكي لحالهم ويتألم لفراقهم وتتوق نفسه إلى لقائهم ويحن ويغتم لمصابهم ويقدمهم في دعواته وحاجاته ويوقرهم عند ذكر أسمائهم، ويعظمهم عند حضور مشاهدهم ويظهر الخشوع والإنكسار في التوجه إليهم (ع) ويبغض أعدائهم وما هو من شعار مبغضيهم ويتنفر منها ويغتم ويحزن إذا إبتلى بشئ منها.


كل ذلك معلوم بالوجدان ومشاهد بالعيان في حال من ابتلاهم الله بمحبة من إستحسنوا شكله وصورته فترى العاشق منهم يهيم بمعشوقة فلا يرى إلا صورته ولا ينسى ذكره ولا يغيب عن فكره. 


فأين أنت أيها المؤمن من محبة قوم هم حقيقة الإيمان ورضا الرب المنان، وأصل كل بهجة وسرور مذخور في الجنان - فصحح إعتقادك وعملك أيها المؤمن - فقد جاء عن النبي أنه قال: "فاتقوا الله واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد قرابه - أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته".