أنا النقطة التي تحت الباء

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


أنا النقطة التي تحت الباء


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.


"باء:بسم الله"


ينابيع المودة: عن ابن طلحة الحلبي صاحب (الدر المنظوم) قال: اعلم أن جميع أسرار الكتب السماوية في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في البسملة، وجميع ما في البسملة في باء البسملة، وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء. 


قال الإمام علي كرم الله وجهه: "أنا النقطة التي تحت الباء". 


وذكر في كتاب (شرح حياة الأرواح) هذا الحديث الشريف عن طريق أهل البيت عليهم السلام.


لقد أشار أمير المؤمنين علي عليه السلام في هذا التعبير الدقيق إلى موضوع عقائدي مهم، وهو أن لديه جميع أسرار وعلوم القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية، وهناك المزيد من الأدلة والشواهد عن طريق الفريقين على ذلك قد ذكرتها مفصلة في الجزء الثاني من كتاب (الولاية: بحث حول الولاية من وحي القرآن).


ينابيع المودة: عن ابن عباس قال: أخذ بيدي الإمام علي عليه السلام في ليلة مقمرة، فخرج بي إلى البقيع بعد العشاء، وقال: اقرأ يا عبدالله.

 فقرأت بسم الله الرحمن الرحيم. 

فتكلم لي في أسرار هذه الباء إلى بزوغ الفجر.


يستفاد من هذين الحديثين الشريفين: إن العلوم والأسرار المودعة في الآية المباركة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وحتى في باء {بِسْمِ اللَّهِ} هي علوم غير متناهية، طبقاً لما مر في الأحاديث المعتبرة من أن علوم وأسرار جميع الكتب السماوية، وحتى القرآن الكريم، جمعت في الآية المباركة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} بل في الباء منها، وبما أن أسرار وعلوم جميع الكتب السماوية والقرآن الكريم غير متناهية بالنسبة لظرفيتنا، فكذلك {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، وباء {بِسْمِ اللَّهِ} الحاوية على خلاصة وإجمال جميع تلك الكتب وما فيها، فمن أين لنا القدرة على تفسير وتأويل هكذا كلمة عظيمة من كلمات الله التامات!؟


نعم نحن الواقفون على أبواب أهل بيت العصمة عليهم السلام نسأل علومهم، فما حصلنا عليه من باب علم النبي صلى الله عليه وآله، وعترته المعصومين عليهم السلام، نقدمه على طبق من الإخلاص لمواليهم ومحبيهم.


ونفهم أيضا من قوله عليه السلام "أنا النقطة تحت الباء"، ومن قول ابن عباس: "فتكلَم لي (بعد الانتهاء من صلاة العشاء) في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر" أنه عليه السلام تحدث لابن عباس هذه المدة عن الفضائل والعلوم والأسرار الموجودة في وجوده المقدس. 


فإن باء {بِسْمِ اللَّهِ} - كما ورد في الحديث السابق - تساوي علي بن أبي طالب عليه السلام، بلى هي عينه، لأن الخبر هو دائما عين المبتدأ، وقوله عليه السلام "أنا النقطة تحت الباء"، جاء بصورة مبتدأ وخبر.


ويقول ابن عباس، إنه عليه السلام تكلّم من أسرار باء {بِسْمِ اللَّهِ}، والتي ذكرنا أنها عين وجود علي عليه السلام المبارك، بالاستدلال أعلاه.


نخلص إلى أن معلّم عالم الخلق تحدث مع ابن عباس بخصوص أسراره عليه السلام، ولا عجب فإن أهل التحقيق يعلمون جميعا أن الوجود المقدس لأمير المؤمنين علي عليه السلام هو {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} لكتاب تكوين الخلقة العظيم، كما هو الحال لخاتم الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، فهو الكتاب التكويني العظيم لعالم الخلق.


إذاً القرآن التدويني بجميع خصائصه هو عين الكتاب التكويني.


فإذا تحدث علي عليه السلام، عن أسرار باء {بِسْمِ اللَّهِ} أو أسرار وجوده المقدس لابن عباس فلا فرق، فكلاهما شيء واحد، إلا أن أحدهما من جهة التدوين والآخر من جهة التكوين.


قال (الشعراني) في (لطائف المنن): وروينا عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - أنه كان يقول: "لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيرا من معنى الباء".


ولهذا الحديث - نظائر كثيرة في الكتب المعتبرة للفريقين تدل على المعاني العظيمة وغير المتناهية المودعة في الآية المباركة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، وباء {بِسْمِ اللَّهِ} مما هو أعلى بكثير من مستوى إدراكنا وفهم عقولنا. 


كما تدل أيضا دلالة أوضح وأقوى على العلوم غير المحدودة التي يحويها صدر علي عليه السلام المبارك، فهو مستودع العلوم و الأسرار الإلٰهية.