‏إظهار الرسائل ذات التسميات المولى ميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المولى ميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي. إظهار كافة الرسائل

وما زالت بضعة رسول الله فاطمة تئن في بيت الأحزان

سماحة الحكيم الإلهي و الفقيه الرباني المولى 

ميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي حفظه الله 


وما زالت بضعة رسول الله 

فاطمة تئن في بيت الأحزان


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين آمين رب العالمين .


إن تحديد التوحيد الصحيح المقبول عند الله عز وجل أمر صعب جدا ، فمن الممكن أن يكون هناك عمل ظاهره التوحيد إلا أن فيه المئات من شوائب الشرك والنفاق كما هو الحال في أغلب تلاوات القرآن ، أو في الصلاة ، أو سائر العبادات التي يؤتى بها لأهداف أخرى اقتصادية أو سياسية أو غيرها من قبل أناس غير صالحين ، فهي وإن كان ظاهرها بصورة العبادة وأديت بعنوان التوحيد والقربة إلى الله عز وجل ، إلا أنها في الواقع فاقدة لقيمة العبادة وللتوحيد ، وهي في الحقيقة كفر مطلق وشرك واقعي وتسمى بلغة الشرع (الشرك الخفي) . 


إن هذه الأعمال التي أديت على شكل عبادة ليست فقط غير مقبولة عند الله عز وجل بل إنها توجب أيضا الخذلان والعذاب في الآخرة ، لأنها تتضمن خداعاً ورياء ، والرياء من الذنوب الكبيرة والمساوية للشرك ، بل هو عين الشرك . 


فمع هذه العبادات الرياضية على مسار التاريخ كم من بيت خرب ! 

وكم من حق ضيع !

وكم من نار أشعلت ! 

وكم من دماء بريئة سفكت في الأرض ! 


فقراءة القرآن والصلوات والعبادات التي أديت على طول الزمان من حين غصب الخلافة من مولى الموالي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وحتى زماننا الحاضر ومن هذا التاريخ وحتى ظهور صاحب الولاية الكلية الإلهية والوارث لمقام الولاية بالحق الحجة ابن الحسن العسكري [أرواحنا فداه] بواسطة أئمة الجور وخلفاء الباطل كبني أمية ، وبني العباس ، والسائرين على خطهم حتى ظهور المنتقم الحقيقي ، قائم آل محمد عليه وعلى آبائه المعصومين الصلاة والسلام ، فكل هذه العبادات والطاعات وقراءات القرآن عارية عن حقيقة التوحيد وملوثة بالأغراض الشيطانية والطاغوتية . 


وموجبة للفتن العظيمة ، والإضطرابات الخطيرة ، والمظالم التي تدمر البيوت وتحطم حياة العالم البشري ، وكما روي : «رب تال للقرآن والقرآن يلعنه ...» .


وهذا القرآن هو ذلك القرآن الذي رفعوه على الرماح في صفين فأحنوا به ظهر شريك القرآن ، والقرآن الناطق مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وزلزلوا راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورفعوا راية أبي سفيان العدو الأول للإسلام والقرآن في حين أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال مرارا ، «علي مع القرآن والقرآن معه»


فيا أيها المسلمون !ويا شيعة آل محمد ومحبي آل بيت النبوة !


تيقظوا ، فما زال القرآن مرفوعا [بأساليب شيطانية] على رماح من الرياء والتزوير ، وما زال الحق المغصوب لصاحب الولاية لم يسترد ، وما زال دم مظلوم كربلاء وجميع الشهداء في غليان ، وما زال علي جليس الدار ، وما زالت بضعة رسول الله فاطمة الزهراء تئن في بيت الأحزان ومازالت آثار عصرة الدار القاسية والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة فأسقطت جنيها . 


فأصبحت مريضة عليلة حزينة ، حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام ، قال الشاعر :


ولست أدري خبر المسمار

سل صدرها خزانة الأسرار


وفي جنين المجد ما يدمي الحشى

وهل لهم إخفاء أمر قد فشى


والباب والجدار والدماء 

شهود صدق ما به خفاء





عيد الغدير المبارك

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


عيد الغدير المبارك


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


قال الله تبارك و تعالى في كتابه الكريم المنزل:{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} (المائدة:٩٧).


يوم الغدير المبارك، عيد النبي (صلى الله عليه و آله) ، عيد الإسلام.


أتفق الفريقين بأن هذه الاية المباركة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) في يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في منزل غدير خم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة من جانب الله عز وجل بواسطة الأمين جبرائيل مناسبة ابلاغ خلافة وولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام للمسلمين ولحجاج بيته الحرام، وكان عددهم بين سبعين ألف إلى مائة وعشرين ألف على اختلاف الروايات.


و الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) في ذلك اليوم العظيم الخالد ذكره أعني يوم الغدير أخذ البيعة لخلافة و إمامة وولاية علي عليه السلام على جميع المسلمين الحاضرين والغائبين صعد المنبر صلى الله عليه وآله  وأخذ بيد علي بن أبي طالب عليهما السلام ورفعه بحيث رآهما جميع الناس ثم خطب خطبة بليغة نورانية حاوية لفضائل ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتقدمه على غيره وقال (صلى الله عليه و آله): "من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ 

فقال المسلمون:الله و رسوله.

فنادى (صلى الله عليه و آله) أن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم.

"ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، من كنت مولاه فعلي مولاه" كررها ثلاث مرات .


ثم دعا الله قائلاً: "اللهم والِ من والاه و عاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيثما دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب".


وقال (صلى الله عليه و آله) في آخر خطبته: "معاشر الناس السابقون السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بامرة المؤمنين أولئك هم الفائزون في جنات النعيم".


 فناداه القوم سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله، بقلوبنا و ألسنتنا وأيدينا وتداكوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) وعلى أمير المؤمنين (ع) فصافقوا بأيديهم كلهم أجمعون.


 وكانوا يهنئوهما بهذا العيد السعيد المبارك، يوم الغدير السعيد.


وقد أعلن النبي (صلى الله عليه و آله) هذا العيد في نفس الغدير، بعدما عين أمير المؤمنين (ع) خليفة وعلماً وإماماً وولياً لكافة المسلمين من بعده وأقام مراسيم العيد المبارك بأعلى كيفياته، بأنه جلس (صلى الله عليه و آله) في خيمته يستقبل المهنئين بكل نشاط وفرح ويشاركهم في السرور ويكرر ويقول: "هنئوني هنئوني هنئوني، أن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالإمامة".


أقول: لم نجد في تاريخ النبي (صلى الله عليه و آله) وحياته النورانية وأفراحه ونشاطاته يوماً قال فيه: هنئوني، إلا هذا اليوم العظيم المبارك، يعني يوم الغدير السعيد، الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) لم يقل هنئوني في يوم زواجه ولا في يوم هجرته ولا في يوم الفتح العظيم يعني فتح مكة ولا في عيد الفطر ولا الأضحى ولا بدر ولا خيبر ولا الخندق ولا في غيرها من أيام السرور والفتوحات ولا انتصار المسلمين على الكفار ولكنه في يوم عيد الغدير، كان يكرر قوله بأعلى صوته


"هنئوني ، هنئوني" لماذا؟

لأنه (صلى الله عليه و آله) كان يعلم ويدرك أهمية الموضوع وعمق عظمته هذا اليوم المبارك، وكان يعلم جلالة هذه الذكرى وأفضلية هذا العيد السعيد، يعني عيد الغدير.


 ولذلك قال (صلى الله عليه و آله) "يوم الغدير أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى بتنصيب أخي علي بن أبي طالب عليهم السلام علماً وإماماً وخليفة لأمتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمم النعم ورضي لهم الإسلام ديناً"


قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}. 


ومن ذلك اليوم العظيم، أصبح الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام يعني يوم الغدير السعيد عيداً إسلامياً خالداً وأفضل الأعياد الإسلامية.


وله خصوصيته ليست لغيره من الأعياد وهي أنه الرسول الأعظم قام فقط في هذا اليوم وخاطب المسلمين وقال: "هنئوني هنئوني، هنئوني"، فأصبح هذا اليوم العظيم عيداً مخصوصاً للنبي (صلى الله عليه و آله) ثم للمسلمين، وان شاء الله عن قريب سيصبح عيدا عالمياً لجميع البشر، لأنه عيد خير البشر والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأبنائهما المعصومين عليهم السلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.






وهل الدين إلا الحب

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


وهل الدين إلا الحب


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله}


ما في الوجود معجمٌ لم يكن

إلا اعترته حيرة في استوا

كل انكسار و خضوع به

و كل صوت فهو نوح الهوا

أما ترى النخلة في قبة

ذات انفطار وانفراج فشا

أما ترى الإثل و أهدابه

عند الرياح ذا حنين علا

أما سمعت النخل ذا رنة

في طيرانه شديد البكا


قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "من حسن إيمانه وكثر عمله اشتد بلاؤه" اعتماداً على هذه الرواية كان أعظم الناس بلاءاً هم الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل، وعلى هذا كان أهل البيت (ع) أولى بالبلاء من غيرهم لأن لهم عند الله مقامات لا يلحقها لاحق ولا يسبقها سابق ولا يطمع في إدراكها طامع، فجرى عليهم ما لم يجر على أحد من الخلق ابتداءاً من النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) الذي قال: "ما أوذي نبي قط مثلما أوذيت"، في ظاهر هذا القول يشير صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين إلى ما لاقاه من نصب وتعب في سبيل نشر الدعوة، أما حقيقة الأمر فإن أعظم الأذى الذي لقيه النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) كان بنصب العداء لأهل بيته بعدما دل (صلى الله عليه و آله) جميع الخلق على أن حب أهل بيته (ع) هو الدين الخالص (وهل الدين إلا الحب) والحب لا يقع بالمباشرة على الله عز وجل وإنما جعلهم محل محبته "من أحبكم فقد أحب الله" وكيف تدور الأيام ونسمع من يقول أن حب الآل مستحب ومندوب بعد أن غيّر من غير في شريعة الله، وبعد أن عبثت أيدي الجهل بالنظام الكوني فرفعت الدّعي وداست الزّكي، وكيف لأصل من أصول الدين أن يهمّش إلى أن يمحى حتى من قائمة الفروع.


وتبقى الحقيقة وهي أن حبهم هو الدين، قال القرآن عن لسان النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله): {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} لأن ولايتهم هي المنجية في الدنيا والآخرة، فما استزاد أحد من حبهم إلا كان ذلك معراجاً له في مدارج الكمال ، وهو قوله تعالى: {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} وهذا يعلمه الكل .. العارف والجاهل والدني والفاضل والصالح والطالح والموالي والمخالف بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، لذلك فجميع ما في الوجود المقيد مما في السموات والأرضين وسكان العناصر والبحار يبكون على مصائبهم ولكن بكاءاً معنوياً وهو على أصناف لأن العبد في حال التفاته لنفسه وإنيته، فيجد في نفسه ضعفاً عن شيء من الأشياء أو خوفاً من شيء من الأشياء أو رقة أو خضوعاً لشيء من الأشياء أو غماً لعدم إدراك شيء من الأشياء، فيبكي أو يتباكى لجمود عين الطبيعة فيه.


وأما البكاء المعروف بجريان الدموع فإنه إظهار للمحبة المكنونة المخزونة في قلوب المحبين، وأما المبغضين فإنهم في حال عدم الالتفات إلى جهة النفس وإلى جهة بغضه وعداوته فإنه يبكي بالشكل المتعارف عليه أي بالدموع، كما جرى على خولى الأصبحي (لعنه الله) الذي كان يبكي وهو يسلب زينب (ع) والأطفال ويسحب النطع من تحت الإمام السجاد، فتسأله زينب (ع) عن ذلك فيقول: أبكي لما جرى عليكم أهل البيت، ولكن ما إن يلتفت إلى حنقه وغيضه فإنه لا يبكي لبُعد قلبه عن الرحمة وقسوتها عن قبول الخير، فيفعل ما يفعل رغبة في إهانتهم وإذلالهم في حين أن ما جرى عليهم أعلا الله شأنهم، فصار الوجود كله يُسبح الله بالبكاء عليهم.


فإذا كان لقلبك عينان علمت أن كل شيء يبكي هؤلاء الصفوة الذين قابلوا محتوم القضاء بمحكم الرضا، فما قصد أعداءهم إلى إطفاء نورهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وهذا جلي في وصايا عدو الله التي كتبها لمعاوية في صحيفته يحرضه فيها على عداوة أهل البيت (ع) وحربهم وقتلهم وقتل شيعتهم، وأخبره فيها بما فعل بالصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) ما لا يكاد يُحتمل سماعه، فلقد وفي بأجر النبي (صلى الله عليه و آله) هذا الذي أضرم النار ببيت بضعة المصطفى، وأسقطها المحسن وأخرج علياً قسراً يبايع أبو الدواهي ولم يقصّر في تأسيس أساس الظلم على آل الرسول، ويكفي أن ندعو على أبي الشرور (لعنه الله) بدعاء شيخنا الأوحد (أعلى الله مقامه):

 (اللهم زحّه إلى ما قدّرت له في حكيم قدرك من مدّ شمال قدرتك حتى ترضى يمين قدرتك).


آمين يا رب العالمين


هذا و صلّ اللهم على محمدٍ و آل محمد




ولا أكملتك إلا فيمن أحب

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


ولا أكملتك إلا فيمن أحب


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ}.

 

يقول مولانا أمير المؤمنين (ع): "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"، فكما أن القرآن الكريم .. هذا السفر الإلهي حاوي لكل ما في الوجود لأنه أعظم كتاب تدويني، فالإمام هو الكتاب التكويني الحاوي لكل الوجود، لذلك يقول تعالى: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} لأن ولي الله الأعظم هو الولي على خزائن علم الله ، وفيه يقول أبو جعفر (ع): "إنا لخزان الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضة إلا على علمه" ، فالقرآن هو العلم والإمام هو حامل هذا العلم، وعقلاً الحامل أفضل من المحمول، فهم خزانة الأشياء من ذواتها وصفاتها وأحكامها وعللها لأن كل شيء ذرئ بنور الله وهم نوره سلام الله عليهم أجمعين {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} فالملكوت هو غيب كل مخلوق وعلته وزمامه، وهم يد الله المتصرفة في الوجود وفي ملكوت كل موجود.


فالقرآن هو العرش التدويني وهم العرش التكويني والماء الأول الذي به حياة كل شيء، ولأن لهم القيومية على كل نفس فإنهم يرون كل شيء في مكان وجوده و زمان شهوده بأمر الله، فهم ذلك الأمر الذي قامت به السموات والأرض وكل ذلك في إطار العلم الحادث لا العلم الذاتي، لأن العلم الذاتي هو عين الذات الذي هو عين القدرة وعين السمع وعين الصفات الذاتية بأجمعها بلا تعدد لا بالحيث ولا بالفرض ولا بالاعتبار.


أما العلم الحادث فهو على أنواع وأقسام فمنه الممكن المقدور الغير مكوّن الذي لم يلبس حلة الوجود، أي أنه تعلق بالمشيئة الإمكانية ولم يتعلق بالمشيئة الكونية (عالم الإمكان)، وهذا يعلمونه علم إحاطة إمكان لا علم إحاطة وجود أما المكوّن فعلى قسمان: 

- مكوّن مشروط 

- ومكوّن منجز 

فالمنجز حتماً يحيطون به، أما المشروط فإنهم لا يحيطون بشرطه إلا بعد أن يكون مشاءاً، أي بعدما يتعلق بالمشيئة الكونية، وكل ذلك بتعليم الله عز وجل لحظة بلحظة وبتعليم جديد آناً فآن يقول سيدهم وفخرهم النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) : "لو لم نزدد لنفدنا".


وقد ورد عن الصادق (ع): "لما صعد موسى (ع) إلى الطور فنادى ربه قال يا رب أرني خزائنك ، قال يا موسى إنما خزانتي إذا أردت شيئاً أن أقول له كن فيكون" وهل أوسع من هذه الخزانة في هذا الوجود!

 فالخزانة هي المشية، وهم محال مشيئة الله فهم يتقلبون في مشيئة الله ولا مشيئة لهم لأنهم {عِبادٌ مُكْرَمُونَ ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}.


ولأن الله يثق بأنهم يؤدون العلم والحكمة لأهلها فقد استودعهم حكمته وعلمه، والحكمة هي العقل المكمل الذي يقول فيه الجليل: "ولا أكملتك إلا فيمن أحب" وهم أهل البيت (ع) ، فهي ضياء المعرفة بالفؤاد المعبر عنها بالتوسم {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} قالوا (ع): "أول المتوسمين رسول الله (صلى الله عليه و آله) ونحن".


لذلك هم يعرفون من يستحق حمل هذه العلوم بالتوسم فيفيضون على كل بقدره، فلا يوجد شيء من الحق عند أحد من الخلق إلا منهم، فبعلمهم ينتصرون للدين فينفون عن الدين ما ليس منه ويتممون ما نقص منه، لأنهم حفظة سر الله وهي العلوم التي لا يجوز إظهارها إلا للكمّل، لأن حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله إلا مدينة حصينة أو من شاءوا، لذلك لا يُظهرون لكل مخلوق إلا بقدر ما يحتمل، فتراهم يجيبون أجوبة متعددة لأشخاص عدة في مسألة واحدة {وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}.


فإذا كنت من الموقنين بما أعطاهم الله من فضله من العلم، وجب أن يكون رأيك لهم تبع ولا يكون رأيك موافق لرأيهم لأن ذلك دليل الاستقلال، وإنما أنت من فاضل الطينة وكل شيء يحن إلى ما منه بدأ، فالشعاع عند المنير لا يجد نفسه وليس له شعور مستقل إلا بما أعطاه المنير، فرأيك من فاضل رأيهم، لأنه من حوضهم، وهذا ما افتخر به شيخنا الكبريائي الأوحد الإحسائي (قده) عندما قال: (العلماء يأخذون تحقيقات علومهم بعض عن بعض، و أنا لم أسلك طريقهم و أخذت تحقيقات ما علمت عن أئمة الهدى (ع) لم يتطرق على كلماتي الخطأ، لأني ما أثبت في كتبي فهو عنهم و هم (ع) معصومون عن الخطأ و الغفلة و الزلل، ومن أخذ عنهم لا يخطئ من حيث هو تابع).


فعن أبي عبد الله الحسين (ع): "لا يكمل العقل إلا باتباع الحق"، فإذا كنت كذلك علموك علمهم الذي لا يحتمله نبي في جوفه إلا إذا أخرجه إلى نبي مثله، ولا يحتمله مؤمن إلا إذا أخرجه إلى مؤمن مثله، فسلم بمقام المعلم الأول في هذا الوجود الذي قام بتعليم كل شيء حتى الملائكة في بداية الخلقة عندما خلقهم الله فقال لهم سبحوا فقالوا يا ربنا لا علم لنا ، فقال للمعصومين: سبحوا فسبحوا فسبحت الملائكة بتسبيحهم (ع) . 


وكذلك البشر .. فإنه لا يكون عندهم شيء من العلم إلا بتعليم العالم (ع) سواء بالإلهام أو بالتوفيقات أو بالإمدادات وهذا ما يسمى بالتعليم العام، كما أن لهم مقام التعليم الخاص لمن يستحق هذا المقام من باب {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها} وهم يعلمون أن من يحمّلونه علمهم يحفظ سر الله وهو أمرهم وولايتهم، فيأخذ منهم أعظم الصفات الإلهية التي يمتدحها بها القرآن بقوله: {وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فشيعتهم إذا حملوا هذه الصفة كانوا من الراسخين في العلم وهم الذين أقروا بجملة ما جهلوا من الغيب المحجوب واستغنوا عن اقتحام السدود المضروبة اعترافاً منهم بالعجز ، فتركوا التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه لأن عظمة الخالق لا يحيط بها خلقه. 

(سبحان ربي العظيم وبحمده)