سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ
ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
وهل الدين إلا الحب
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله}
ما في الوجود معجمٌ لم يكن
إلا اعترته حيرة في استوا
كل انكسار و خضوع به
و كل صوت فهو نوح الهوا
أما ترى النخلة في قبة
ذات انفطار وانفراج فشا
أما ترى الإثل و أهدابه
عند الرياح ذا حنين علا
أما سمعت النخل ذا رنة
في طيرانه شديد البكا
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "من حسن إيمانه وكثر عمله اشتد بلاؤه" اعتماداً على هذه الرواية كان أعظم الناس بلاءاً هم الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل، وعلى هذا كان أهل البيت (ع) أولى بالبلاء من غيرهم لأن لهم عند الله مقامات لا يلحقها لاحق ولا يسبقها سابق ولا يطمع في إدراكها طامع، فجرى عليهم ما لم يجر على أحد من الخلق ابتداءاً من النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) الذي قال: "ما أوذي نبي قط مثلما أوذيت"، في ظاهر هذا القول يشير صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين إلى ما لاقاه من نصب وتعب في سبيل نشر الدعوة، أما حقيقة الأمر فإن أعظم الأذى الذي لقيه النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) كان بنصب العداء لأهل بيته بعدما دل (صلى الله عليه و آله) جميع الخلق على أن حب أهل بيته (ع) هو الدين الخالص (وهل الدين إلا الحب) والحب لا يقع بالمباشرة على الله عز وجل وإنما جعلهم محل محبته "من أحبكم فقد أحب الله" وكيف تدور الأيام ونسمع من يقول أن حب الآل مستحب ومندوب بعد أن غيّر من غير في شريعة الله، وبعد أن عبثت أيدي الجهل بالنظام الكوني فرفعت الدّعي وداست الزّكي، وكيف لأصل من أصول الدين أن يهمّش إلى أن يمحى حتى من قائمة الفروع.
وتبقى الحقيقة وهي أن حبهم هو الدين، قال القرآن عن لسان النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله): {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} لأن ولايتهم هي المنجية في الدنيا والآخرة، فما استزاد أحد من حبهم إلا كان ذلك معراجاً له في مدارج الكمال ، وهو قوله تعالى: {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} وهذا يعلمه الكل .. العارف والجاهل والدني والفاضل والصالح والطالح والموالي والمخالف بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، لذلك فجميع ما في الوجود المقيد مما في السموات والأرضين وسكان العناصر والبحار يبكون على مصائبهم ولكن بكاءاً معنوياً وهو على أصناف لأن العبد في حال التفاته لنفسه وإنيته، فيجد في نفسه ضعفاً عن شيء من الأشياء أو خوفاً من شيء من الأشياء أو رقة أو خضوعاً لشيء من الأشياء أو غماً لعدم إدراك شيء من الأشياء، فيبكي أو يتباكى لجمود عين الطبيعة فيه.
وأما البكاء المعروف بجريان الدموع فإنه إظهار للمحبة المكنونة المخزونة في قلوب المحبين، وأما المبغضين فإنهم في حال عدم الالتفات إلى جهة النفس وإلى جهة بغضه وعداوته فإنه يبكي بالشكل المتعارف عليه أي بالدموع، كما جرى على خولى الأصبحي (لعنه الله) الذي كان يبكي وهو يسلب زينب (ع) والأطفال ويسحب النطع من تحت الإمام السجاد، فتسأله زينب (ع) عن ذلك فيقول: أبكي لما جرى عليكم أهل البيت، ولكن ما إن يلتفت إلى حنقه وغيضه فإنه لا يبكي لبُعد قلبه عن الرحمة وقسوتها عن قبول الخير، فيفعل ما يفعل رغبة في إهانتهم وإذلالهم في حين أن ما جرى عليهم أعلا الله شأنهم، فصار الوجود كله يُسبح الله بالبكاء عليهم.
فإذا كان لقلبك عينان علمت أن كل شيء يبكي هؤلاء الصفوة الذين قابلوا محتوم القضاء بمحكم الرضا، فما قصد أعداءهم إلى إطفاء نورهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وهذا جلي في وصايا عدو الله التي كتبها لمعاوية في صحيفته يحرضه فيها على عداوة أهل البيت (ع) وحربهم وقتلهم وقتل شيعتهم، وأخبره فيها بما فعل بالصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) ما لا يكاد يُحتمل سماعه، فلقد وفي بأجر النبي (صلى الله عليه و آله) هذا الذي أضرم النار ببيت بضعة المصطفى، وأسقطها المحسن وأخرج علياً قسراً يبايع أبو الدواهي ولم يقصّر في تأسيس أساس الظلم على آل الرسول، ويكفي أن ندعو على أبي الشرور (لعنه الله) بدعاء شيخنا الأوحد (أعلى الله مقامه):
(اللهم زحّه إلى ما قدّرت له في حكيم قدرك من مدّ شمال قدرتك حتى ترضى يمين قدرتك).
آمين يا رب العالمين
هذا و صلّ اللهم على محمدٍ و آل محمد