ونبقى في ضيافة الحسين (ع)

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


ونبقى في ضيافة الحسين (ع)


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


يقول عز من قائل: {وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (الزمر:٥٤)


لأيام ليست بالقليلة كنتم في ضيافة كريمة.. فبعدما سمعتم نداء الرحمة (أما من ناصر ينصرنا) واستجابت أرواحكم بالإنابة إلى ولي الله الأعظم وحجة الله على خلقه فكنتم خداماً للحسين (ع) بين باك وخطيب ومعز وغيرها من أشكال الخدمة، فكانت أحوالكم وحركاتكم وسكناتكم وكل ما لكم وعندكم للحسين (ع)، وما كان للحسين فهو لله عز وجل، فكان الجميع وبلا تكلف مضمحل وغارق في أنوار الحسين وهذه هي العودة الصريحة للفطرة.


فالكل على الحقيقة مفتقر لعلة هذا الوجود بحيث لا يجد لنفسه شيئاً ولا يملك لنفسه إلا الوقوف على باب فيضه (ع) وقرع باب رحمته بيد قابليته ولسان حاله يحكي حال المضطر، فكل شيء بيد فاطر السماوات وقاهر البريات والمتسلط على كل الكائنات {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ) (هود:١٢٣) ، ولكن لما تنزهت ساحة جلال الله عن الاقتران أو الاتصال أو غيرها من الأحوال المسلتزمة للافتقار والتركيب الدالة على المخلوقية لا الخالقية لم يبق إلا مهابط الأنوار الإلهية ومجالي إشراقات الصفات الإلهية التي هي كالحديدة المحماة بالنار والتي أظهرت آثار النار، وليس فيها إلا صرف ذلك الظهور حتى يمكننا القول إنها هي النار لأن لها القابلية لإظهار كل الصفات إلا أنها أثر ودليل وصفة للنار.


وعلى هذا يكون للحديدة نفس حكم النار، فتلك الكينونات المقدسة هي لله سبحانه .. أمرها أمر الله وحكمها حكم الله لأن كل ما سواه تعالى منقطع وباطل عندهم (ع)، فصاروا ظهور الواحد ونور الأحد، وصار الخلق فان ومعدوم عندهم لأنهم ظهوره سبحانه.


وتحت كساء الحسين وفي هذه الأيام القليلة يحاول العبد إرجاع الكثرات كلها إلى الوحدة الحقيقية، مع أن هذا الرجوع هو في كل وقت وعلى كل حال متحقق لهذا الخلق الفقير المحتاج إلى الاستمداد منهم (ع) ، إلا أن له ظهور غالب في وقت دون آخر، فيحاول العباد في أيام الحسين أن يخلصوا من الغرائب والأعراض المانعة لهم من مشاهدة ملكوت السماوات والأرض بعد طول غفلة ونظر إلى النفس مما منعهم من التبصر والاستبصار، فغاب عنهم ما أخفاه سبحانه عن خلقه {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى} (طه:١٥).


فإذا ما مات الخلق قبل موتهم في حب الحسين وحزناً على ما جرى عليه وفرقاً على ذاك المقام المقدس الذي سحق بحوافر الخيل لم يبق فيهم سواه ورأوا أن الخلق كلهم في أطوارهم وأحوالهم وأرزاقهم وآجالهم وسائر مقتضياتهم وأمورهم راجعة إليه وهو بعينه الرجوع إلى الله، فلا معنى يظهر في هذا الوجود والكون إلا به وله وإليه، فلا مستغنياً إلا به ولا مستمد إلا من فضل خيره، وهذه هي القيومية والقهارية الظاهرة في ولاية الحسين التي هي ولاية الله {هنالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثواباً وَخَيْرٌ عُقْباً}(الكهف:٤٤) فهو مظهر من مظاهر التقدير و التدبير في هذا الوجود.


فتدبر في أحوال ذاك الكريم وقد فتح لك أبواب الجنان أيام الضيافة، فلا تبخل على نفسك واغترف من بحار جوده، وقد دعاك إلى مائدته راجياً منك أن تقابل فوارة النور ليفيض عليك من أنوار قدسه في حضرة أنسه ما يجعلك تنشغل عن نفسك في هذا الشهر وغيره من الشهور فتعرف أن: (كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء).