عيد الغدير المبارك

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


عيد الغدير المبارك


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


قال الله تبارك و تعالى في كتابه الكريم المنزل:{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} (المائدة:٩٧).


يوم الغدير المبارك، عيد النبي (صلى الله عليه و آله) ، عيد الإسلام.


أتفق الفريقين بأن هذه الاية المباركة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) في يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في منزل غدير خم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة من جانب الله عز وجل بواسطة الأمين جبرائيل مناسبة ابلاغ خلافة وولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام للمسلمين ولحجاج بيته الحرام، وكان عددهم بين سبعين ألف إلى مائة وعشرين ألف على اختلاف الروايات.


و الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) في ذلك اليوم العظيم الخالد ذكره أعني يوم الغدير أخذ البيعة لخلافة و إمامة وولاية علي عليه السلام على جميع المسلمين الحاضرين والغائبين صعد المنبر صلى الله عليه وآله  وأخذ بيد علي بن أبي طالب عليهما السلام ورفعه بحيث رآهما جميع الناس ثم خطب خطبة بليغة نورانية حاوية لفضائل ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتقدمه على غيره وقال (صلى الله عليه و آله): "من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ 

فقال المسلمون:الله و رسوله.

فنادى (صلى الله عليه و آله) أن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم.

"ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، من كنت مولاه فعلي مولاه" كررها ثلاث مرات .


ثم دعا الله قائلاً: "اللهم والِ من والاه و عاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيثما دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب".


وقال (صلى الله عليه و آله) في آخر خطبته: "معاشر الناس السابقون السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بامرة المؤمنين أولئك هم الفائزون في جنات النعيم".


 فناداه القوم سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله، بقلوبنا و ألسنتنا وأيدينا وتداكوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) وعلى أمير المؤمنين (ع) فصافقوا بأيديهم كلهم أجمعون.


 وكانوا يهنئوهما بهذا العيد السعيد المبارك، يوم الغدير السعيد.


وقد أعلن النبي (صلى الله عليه و آله) هذا العيد في نفس الغدير، بعدما عين أمير المؤمنين (ع) خليفة وعلماً وإماماً وولياً لكافة المسلمين من بعده وأقام مراسيم العيد المبارك بأعلى كيفياته، بأنه جلس (صلى الله عليه و آله) في خيمته يستقبل المهنئين بكل نشاط وفرح ويشاركهم في السرور ويكرر ويقول: "هنئوني هنئوني هنئوني، أن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالإمامة".


أقول: لم نجد في تاريخ النبي (صلى الله عليه و آله) وحياته النورانية وأفراحه ونشاطاته يوماً قال فيه: هنئوني، إلا هذا اليوم العظيم المبارك، يعني يوم الغدير السعيد، الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) لم يقل هنئوني في يوم زواجه ولا في يوم هجرته ولا في يوم الفتح العظيم يعني فتح مكة ولا في عيد الفطر ولا الأضحى ولا بدر ولا خيبر ولا الخندق ولا في غيرها من أيام السرور والفتوحات ولا انتصار المسلمين على الكفار ولكنه في يوم عيد الغدير، كان يكرر قوله بأعلى صوته


"هنئوني ، هنئوني" لماذا؟

لأنه (صلى الله عليه و آله) كان يعلم ويدرك أهمية الموضوع وعمق عظمته هذا اليوم المبارك، وكان يعلم جلالة هذه الذكرى وأفضلية هذا العيد السعيد، يعني عيد الغدير.


 ولذلك قال (صلى الله عليه و آله) "يوم الغدير أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى بتنصيب أخي علي بن أبي طالب عليهم السلام علماً وإماماً وخليفة لأمتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمم النعم ورضي لهم الإسلام ديناً"


قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}. 


ومن ذلك اليوم العظيم، أصبح الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام يعني يوم الغدير السعيد عيداً إسلامياً خالداً وأفضل الأعياد الإسلامية.


وله خصوصيته ليست لغيره من الأعياد وهي أنه الرسول الأعظم قام فقط في هذا اليوم وخاطب المسلمين وقال: "هنئوني هنئوني، هنئوني"، فأصبح هذا اليوم العظيم عيداً مخصوصاً للنبي (صلى الله عليه و آله) ثم للمسلمين، وان شاء الله عن قريب سيصبح عيدا عالمياً لجميع البشر، لأنه عيد خير البشر والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأبنائهما المعصومين عليهم السلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.