اللهم إن شيعتنا منا

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


اللهم إن شيعتنا منا 


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


الحمد الله الذي أبدأ حقائق الممكنات من أنوار آثار مشيته، واخترع أعيان الموجودات من أشعة مظاهر إرادته، وصور حدود الماهيات على هياكل ما اختاروه عند إجابة دعوته، ثم أمضى عليهم بما قضى إظهاراً لسعة رحمته، وإكمالاً لتمام نعمته والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته أبي القاسم محمد (صلى الله عليه و آله) الذي جعل جوهر عبوديته كنها لمقام ربوبيته، وخلق ربوبيات عوالم الأنوار من أسفل مراتب عبوديته وعلى آله وأهل بيته مصابيح الدجى والمثل الأعلى الذين جعلهم الله محال مشيته وألسنة إرادته ومعادن علمه وحكمته ومخازن سره ورسالته وآيات معرفته و حفاظ شيعته وشريعته.


دخل جماعة من الشيعة على الإمام الصادق (ع)،فقالوا: يا ابن رسول الله! إن عماراً الدهني شهد اليوم عند ابن أبي ليلى، قاضي الكوفة، بشهادة، 


فقال له القاضي: قم يا عمار، فقد عرفناك لا تقبل شهادتك، لأنك رافضي!


فقام عمار، وقد ارتعدت فرائصه، واستفرغه البكاء، 


فقال له ابن أبي ليلى: أنت رجل من أهل العلم والحديث، إن كان يسوءك أن يقال لك رافضي، فتبرأ من الرفض، فأنت من إخواننا.


فقال له عمار: يا هذا! ما ذهبت والله حيث ذهبت، ولكن بكيت عليك وعلي، 


أما بكائي على نفسي: فإنك نسبتني إلى رتبة شريفة لست من أهلها، زعمت أني رافضي، ويحك! 


لقد حدثني الصادق (ع)، أن أول من سمى (الرافضة) السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى في عصاه، آمنوا به واتبعوه ورفضوا أمر فرعون، واستسلموا لكل ما نزل بهم، فسماهم فرعون (الرافضة)، لمّا رفضوا دينه، فالرافضي كل من رفض جميع ما كره الله، وفعل كل ما أمره الله، فأين في هذا الزمان مثل هذا؟


 وإنما بكيت على نفسي: خشيت أن يطلع الله عز وجل، على قلبي، وقد تلقَّبت بهذا الاسم الشريف على نفسي، فيعاتبني ربي عز وجل ويقول: يا عمار!


 أكنت رافضا للأباطيل، عاملا بالطاعات كما قال لك؟ 

فيكون ذلك بي مقصراً في الدرجات إن سامحني، وموجبا لشديد العقاب علي إن ناقشني، إلا أن يتداركني مواليَّ بشفاعتهم!


وأما بكائي عليك: فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي، وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله، أن صرَّفت أشرف الأسماء إليّ، وان جعلته من أرذلها ، كيف يصبر بدنك، على عذاب كلمتك هذه؟ 


فقال الصادق (ع) : "لو أن على عمار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والأرضين، لمحيت عنه بهذه الكلمات، وإنها لتزيد في حسناته عند ربه عز وجل، حتى يجعل كل خردلة منها، أعظم من الدنيا ألف مرة".

( البحار (٦٥/١٥٦)


أقول: كم من شبه لشيعة علي ومحبيه في هذا اليوم، في التظلم والاضطهاد بأولئك الشيعة في عصر الاضطهاد والظلم الأموي و العباسي!!


فكما أن أولئك الحكام النواصب والمعاندين المتسترين بالإسلام راحوا يعملون على سلب القرار والاستقرار من شيعة علي (ع) بأساليب وطرق متعددة ومختلفة، كذلك اليوم، ما زال الشيعة يتعرضون للإيذاء والاستهزاء من مجموعات حذت حذو أولئك الظالمين من أسلافهم.


وإذا كان أولئك يسمون الشيعة (رافضة) ، ليجعلوا من الاسم ذريعة لظلمهم، فقد راح الناس السذج والبسطاء ينسجون على هذا المنوال والوهم، وينظرون إلى الشيعة بمنظار الخارجين عن الإسلام.


واليوم، راح الأعداء يخترعون أسماء جديدة، ويلقون عليهم تهما جديدة، لتبرير ظلمهم وعدائهم، لناس مسلمين مؤمنين، وليس ذلك إلا لأنهم شيعة لعلي (ع) وأولاده، ومحبون وتابعون لهم، وحريصون على نشر فضائلهم ومناقبهم.


والحال إن الله سبحانه ورسوله لا يرضيان عن هذه الافتراءات والأكاذيب التي تورث النفاق والاختلاف بين المسلمين، وتشق صفوفهم، وتمزق وحدتهم، ووحدة كلمتهم. ولكن الشيعة سيظلون ملتزمين بمبادئهم الإسلامية، ومنتهجين خط أئمتهم من أهل البيت (ع)،وصابرين على كل ظلم وبلاء يصيبهم من أعداء الإسلام، كما صبر أسلافهم من الشيعة في عصر بني أمية الظالمين، وفترة بني العباس الغاشمين، لا تأخذهم في ولايتهم ومحبتهم لعلي وأولاده (ع)، لومة لائم ،ولن يثني عزمهم، ويلوي قرارهم هذا، اشتداد الظلم والجور عليهم، وبذلك يثبتون للعالم -كما هو ثابت حقا- صفاء نواياهم في عقيدتهم ، وصدقهم في التزامهم وولايتهم.      


أما في (شرح الزيارة الجامعة) للشيخ الأجل، الشيخ أحمد الأحسائي: ما روي عن السيد الجليل المرحوم، رضي الدين بن موسى بن طاوس، عن بقية الله في أرضه، ولي العصر الحجة بن الحسن العسكري، أرواحنا فداه في فضيلة ومنزلة شيعة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، يقول: "اللهم إن شيعتنا منا، خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بولايتنا، اللهم اغفر لهم من الذنوب، ما فعلوه، اتكالا على حبنا، ولنا يوم القيامة أمورهم، ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات إكراما لنا، ولا تقاصصهم يوم القيامة مقابل أعدائنا، وإن خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا ....."


و بديهي أن الشيعة الخلَّص هم الذين لا يرتكبون الكبائر، ولا يتحملون حقوق الناس في ذمتهم، بل تصدر منهم بعض صغائر الذنوب، لأنهم غير معصومين، فيقبل الله توبتهم، ويعفو عنهم، لمكانة ، مواليهم محمد (صلى الله عليه وآله) ، وآل محمد (ع) ، عنده. 


{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنوبَ جميعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} (الزمر:٥٣-٥٤).


من كتاب الولاية - ج٢ص٢٥٨