علم النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم

المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح 

الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره


علم النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم


سؤال (٢٦٥)

خلق الله المشيئة بنفسها ، وخلق الحقيقة المحمدية بالمشيئة ، فقامت المشيئة قيام تحقق ، وقامت الحقيقة بالمشيئة قيام صدور ، فإذا شاء الله أمراً وقع في قلب النبي ، وقلب الإمام ، لأن قلوبهم (ع) أوعية لمشيئة الله ، تبارك وتعالى ، بمعنى أن قلوبهم مستعدة لتلقي الفيض من الله ، والذي يصدر في قلب النبي ، يصدر في قلب الإمام ، من حيث أن نورهم واحد ، فما كان عند النبي يكون عند الإمام . 


فما معنى قول الإمام ، أمير المؤمنين ، عليه السلام : «علمني رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلّم ، ألف باب من العلم ، يفتح لي من كل باب ألف باب» أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء .


الجواب :

للمعصومين الأربعة عشر ، صلوات الله وسلامه عليهم ، علوم كثيرة يجمعها علمان :-

- علم مختص بهم لا يخرج منهم إلى غيرهم ، وبعبارة أخرى ليس لغيرهم قابلية واستعداد لتحمل ذلك العلم ، كما قالوا :

«إنَّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاَّ ملك مقرّب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان» ويمكن أن يُقال أن هناك علماً قد اختص به رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأخوه ، وابن عمه ، أمير المؤمنين عليه السلام ، دون غيرهم . 


كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله المشهور : 

«يا علي ما عرف الله إلاَّ أنا وأنت ، وما عرفني إلاَّ الله وأنت ، ومـا عـرفـك إلاَّ الله وأنا» بمعرفة أحدهما بالآخر علم قد اختصا به ، 


- وعندهم علم قد شارك كلهم (ع) في ذلك ، وهو الذي يختص بهم من العلوم والفيوضات الرّحمانية والرّحيمية التي يحتاج إليها بقاء الوجود ، وحياة ما في الوجود ، من الملائكة ، والناس ، وسائر الخلق أجمعين ، فالعلم الذي قال فيه أمير المؤمنين ، عليه السلام : 

«علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم ، يفتح لي من كل باب ألف باب» ، هو ذلك العلم المختص بهما ، أو بهم ، وقد تعلمه منه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول تكوينه ، يعني أول ما خلق الله ، عزّ وجل ، نور نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يعني الحقيقة المحمدية ، ثم خلق من تلك الحقيقة ، الحقيقة العلوية ، (نور علي أمير المؤمنين) ، كالضوء من الضوء ، وبهذا التكوين تعلم منه كلما ، منح الله ، تبارك وتعالى ، رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في العالم الأول ، وهذا الذي نقرأه في الكتب ، أو نسمعه في زمانهما ، وحياتهما الظاهرية ، إنما يجسم ذلك العالم للناس ، لا إنه (ع) كان جاهلاً إلى ذلك الوقت ، ثم تعلم منه بعد ولادته ، أو بعد بلوغه . 


ومثل هذا لا يقوله شيعي ، ولا يعتقده إمامي موالي ، كيف وقد قرأ (ع) القرآن ، والإنجيل ، والتوراة ، طفلاً بعد ولادته بثلاثة أيام ، حينما أقرأه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رافعاً شخصه على يده . 


ولا عجب كما تكلم المسيح عيسى بن مريم في المهد صبياً ، وقال :  {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا} .


فمثال هذا التعليم والتعلم ، كالشمعتين ، فإذا شببت و أَوقـدت شمعة واحدة منهما ، أولاً ، ثم شببت الثانية منهما ، رأيت جميع مزايا الشمعة الأولى موجودة في الثانية ، إلاَّ أن الأفضلية للُأولى ، وهي الواسطة لكل فضيلة توجد في الثانية ، وهي معلمتها وسيدتها ، ولها الفضل عليها على كل حال .


فالنور الأول الذي وجد في عالم الإمكان ، محيط بجميع ما سوى الله إلى يوم القيامة ، وعالم بها .


 وكذلك النور الثاني ، وكذلك بقية الأنوار التي توقدت من نور والدهم ، أمير المؤمنين (ع) ، على ترتيب مقاماتهم ، وتقدّمهم رتبة ، كالشموع من الشمعة الثانية ، لأن ما سوى الله من المؤمنين خلق من شعاعهم ، وشعاع شعاعهم ، إلى مراتب سبعة ، فعلمهم عليهم السلام محيط بكل ما سواهم من طبقات الوجود . 


عن (روض الجنان) : عن ابن عباس قال ، قال أمير المؤمنين ، عليه السلام : «اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله» 

قلت : يا أمير المؤمنين كيف ينظر بنور الله ؟ 

قال عليه السلام : «لأنا خلقنا من نور الله ، وخلق شيعتنا من شعاع نورنا» (۱) .

                                          

من كتاب

الدين بين السائل و المجيب ج٢