خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
١٧ شوال ١٤٣٢هـ
طلب العلم
الشيخ الأوحد (ق س) حفظ العقائد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم {وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وقال مولانا سيد الشهداء أبو الأحرار الإمام الحسين (ع) : «إن الله ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه إستغنوا بعبادته عن عبادة من سواه» .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشايخنا الكرام ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كنت مشتاق لزيارتكم ، وشكرا لله أنه وفقني لزيارة وجوهكم مرة أخرى في هذا المكان الشريف في هذا اليوم المبارك ، وجوهٍ نوراينة التي تعكس محبة قلوبكم لأهل بيت العصمة والطهارة ، وبالتالي ميزان محبتكم ومعرفتكم إلى الله الباري تعالى ، ندعوا الله أن يتقبل اعمالنا وأعمالكم وطاعتنا وطاعتكم في شهر الله المبارك رمضان بقبول حسن ، ويجعل هذه الأعمال ذخرا لآخرتنا {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .
وأما وفق الروايات والأحاديث ، العلوم الإسلامية ثلاث أقسام :
- علم الحقيقة أو العقائد .
- علم الطريقة أو الأخلاق .
- وعلم الشريعة أو الفقه .
المسائل التي ترتبط بعقل الإنسان وفكره سميت بالعقائد وفيه تُبحث المسائل والمعارف الإعتقادية كمسألة التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد وغيرها .
والأمور التي ترتبط بخلق الإنسان وروحه سميت بالأخلاق وفيه تبحث الخصائص الروحية من قبيل الشجاعة ، العفة ، والعدالة ، والتقوى وغيرها .
وأما ما يرتبط بعمل الإنسان سميت بالفقه وفيه تبحث المسائل الشرعية الفرعية التي يلزم المكلف القيام بها من قبيل الصلاة ، والصوم ، والحج ، والنكاح وغير ذلك .
وقد أشار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى هذا التقسيم : «إنما العلم ثلاثة آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنة قائمة ، وما خلاهن فهو فضل» .
نعم العلوم المتداولة في الجامعات والمحافل العلمية والأكاديمية ليست بعلم ، وأكثرها فضل ، اليوم في مجتمعنا هذا تضاعف هذه العلوم في كل ستة أشهر ضعفين ، وأما هذه الفضائل لا تزيد على الإنسان شرف أو كرامة ، بل تعطي الإنسان شيئا وتأخذ منه شيئاً أو أشياءاً أخرى .
يمتاز العصر الحاضر بالتطور السريع ، والتقدم الهائل في الجوانب المادية ، لقد صنعت التكنلوجيا آلاف الأجهزة والأدوات للناس وجعلتهم يعيشون من الناحية المادية في رفاه وراحة . أما الجانب المعنوي فإنه يسير نحو الإنحدار والتغافل والتسافل ، مقابل ذلك العلم الواقعي الإلهي يعطي نتائج ممتازة للإنسان ويهديه إلى الصراط المستقيم والنجاح ، فينحصر العلم الواقعي في ثلاث أقسام كما مر ، وأما السؤال المهم الذي يجدر بنا طرحه هنا ، أي هذه العلوم هو الأهم والأولى والأشرف على غيره ؟؟
جاء رجل إلى رسول الله وقال ما رأس العلم ؟
قال : «معرفة الله حق معرفته» ،
وقال مولانا أمير المؤمنين (ع) : «أول الدين معرفته» .
وعن ابي عبدالله (ع) : «لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ، ونعيمها وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطأونه بأرجلهم ، ولنعموا بمعرفة الله جل وعز ، وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله ، إن معرفة الله عز وجل آنس من كل وحشة ، وصاحب من كل وحدة ، ونور من كل ظلمة ، وقوة من كل ضعف ، وشفاء من كل سقم» .
أعزائي شرف العلم بشرف موضوعه فيقدم أصول الدين والمسائل الإعتقادية ، ثم الأخلاق كما قال النبي الأكرم «إني بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ، ثم الشريعة والفقه ، ثم بإقتضاء الزمان والمكان الفضائل المختلفة والفنون المتداولة ، وهذا أمر بديهي إن الإنسان إذا أراد أن يبني بناءاً صلب يجب عليه أن يهتم بالأصل والأساس ثم الباقي ، إنطلاقاً من قول أمير المؤمنين إمام المتقين : «العمر أقصر من تعلم كلما يحصن بك علمه فتعلم الأهم فالأهم» .
كان يكرم الأئمة الأطهار المتكلمين أكثر من بقية أصحابهم ، وكانوا في الواقع يريدون من خلال تقديم المتكلمين على سائر العلماء أن يرفعوا ويعززوا من قيمة الأبحاث العقلية والعقائدية ويضعوا علم الكلام فوق رتبة سائر العلوم كما كان يكرم الإمام الصادق (ع) هشام إبن الحكم أكثر من بقية أصحابه ، وكانت هذه الطبقة أعني المتكلمين تربت على يد أئمتنا المعصومين فاهتموا علمائنا الأعلام من تلامذه أئمتنا في تأليف الكتب الكلامية ، كفضل بن شاذان النيسابوري وهو كان من تلامذة الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي عليهم السلام .
وبعد الغيبة الصغرى كنصير الدين الطوسي والعلامة الحلي و سائرين وغيرهم من العلماء ، تكونت الفرق والمذاهب الكلامية من الشيعة ، والمعتزلة ، والأشاعرة ، والمرجئة ، والمدارس العديدة كالمشائيين ، والرواقيين ، والمتألهين وغيرهم طوال الزمان ، وأما العلماء والحكماء في هذه الفرق والمدارس بذلوا جهدهم حول العقائد الإسلامية في الكلام والحكمة والفلسفة ، ومنهم من إكتفى من منابع المعارف في القرآن الكريم وأحاديث أهل بيت العصمة (ع) لكونهم عدل القرآن وكلامهم نور وهم العيون الصافية ومن شرب منها لم يخطأ ، ومن إعتمد على كلمات الآخرين كفلاسفة اليونان وغيرهم أو بعقولهم الناقصة فقط في آرائهم فخرج أكثرهم من الصراط المستقيم .
وبكل جرأة نتمكن أن نقول من أهم المدارس التي إهتمت بالعقائد الإسلامية الخالصة مدرسة الشيخ الأوحد الإحسائي (قدس) التي ربَّت تابعيها وسالكيها من التلامذة والعلماء أن يكتفوا بالثقلين وحصروا الإستدلال من القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام في بيان عقائهم ولا غير ، باني هذه المدرسة الحكمية الشيعية الولائية نابغة زمانه رئيس الحكماء الربانيين الشيخ أحمد الإحسائي (قدس) ألّف حوالي ٢٠٠ كتاباً من كلمات ساداته فلن تجد في كتبه الكثير أدلة تؤيد النظريات أو الصوفية أو الآخرين ، بل كل ما تجد هو زلال أرض من الشهد الذي تحدث عنه القرآن الكريم والطعام الطيب الذي قدمه أئمتنا لمحبيهم ، نعم إن المسائل الإلهية كلها سماوية ولا يمكن الإستماع إلى الخبر السماوي إلا من عهد السماء ، هذا الفخر كافٍ لنا أن أجدادنا تتلمذوا في هذي المدرسة الولائية وعرَّفونا الحكمة العلوية ، فعلينا أن نستفيد من هذا البستان وننشر أفكارها في المجمتع العلمي الشيعي كما عمل بها أجدادنا خاصة والدي المظلوم آية الله المجاهد الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، والإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، وسائر علمائنا .
مؤتمن العلامة الشيخ الأوحد الذي أقامه مشايخنا العظام وعلى رؤوسهم الشيخ توفيق البوعلي والشيخ عبدالله نجم المزيدي في الكويت المحبوب كان من هذا القبيل الذي تتبادل نظرات الباحثين حول الشيخ ومدرسته وآرائه وأفكاره من ضمنه ، ونتقدم بوافر الشكر لكل من شارك في هذا الحفل العظيم ومن ساهم بكثير وقليل في إنجاح هذا العمل الكبير ، وأيضا أقدِّر الجماعة كلها خاصة مجلس أمناء وقف المرجع الديني الإمام المصلح ولجان الحسينيات والمساجد ولجان إدارة الندوات الدينية والإحتفالات التابعة لجماعتنا الإحسائية في الكويت العزيز بأحسن التقدير .
اللهم صل على وليك وإبن أوليائك وبلِّغه منا تحية وسلاما ، وإجعل صلاتنا وصومنا وأعمالنا به مقبولة وذنوبنا به مغفورة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .