المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
خلق الله المشيئة بنفسها
جاء في الحديث القدسي : «إن الله خلق الخلق بالمشيئة ، وخلقت المشيئة بنفسها» ، وإن أهل البيت ، عليهم السلام ، هم محل مشيئة الله ، عز وجل ، أرجو توضيح معنى هذا الحديث ، علماً بأن المشيئة حسبما نعلم أنها خلقت بدون خالق . . ؟
جواب :
جاء في الحديث : «خلق الله الأشياء بالمشيئة ، وخلق المشيئة بنفسها» فلم توجد بنفسها ، كيف توجد بنفسها ، وهي مشيئة الله ؟
وهل يقبل العقل السليم أن شيئاً في عالم الوجود يوجد بنفسه ؟ كـلا .
فخالق الأشياء سبحانه هو خالق مشيئته … يقول الحديث إن الباري ، تقدس وتعالى ، خلق المشيئة بنفس المشيئة ، لا بذاته ، ولا بمشيئة اخرى .
لأن الله ، تقدّس وتعالى ، أجلّ من أن يباشر الأشياء بذاته .
ولا يمكن بمشيئة أخرى ، لأنه يوجب الدور ، والتسلسل ، وكــلا الفرضين باطلان .
كما إنا نحن أيضاً نوجد ما نريد بمشيئة واحدة غير متسلسلة ، وهي صفة فعلية غير ذاتية .
فإذا عرفت أن المشيئة فعلية مخلوقة ، وليست ذاتية لله ، عزّ وجلّ ، كما هي صريحة ، فقلب الإمام عليه السلام ظرفها ، وظهور الأقوال والأفعال منهم بها : «لا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ ، وَهُم بِأمرِهِ يَعمَلُونَ» .
في (غيبة الشيخ) : عن كامل بن إبراهيم المدني ، عن الإمام الحجة (عج) ، قال : «وجئت تسأله عن مقالة المفوضة ، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله ، فإذا شاء شئنا ، والله يقول : {وَ ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}» .
وجاء في خطبة أمير المؤمنين ، عليه السلام ، في تعريف المعصومين بعد فقرات : «أشهدهم خلق خلقه ، وولاهم ما شاء من أمره ، وجعلهم تراجمة مشيئته ، وألسنة إرادته …» .
ومن كلام مولانا ، أبي عبد الله الحسين ، عليه السلام : «اللهم منك البدء ، ولك المشيئة ، ولك الحول ، ولك القوة ، وأنت الله الذي لا إله إلا أنت ، جعلت قلوب أوليائك مسكناً لمشيئتك ، ومكمناً لإرادتك ، وجعلت عقولهم مناصب أوامرك ونواهيك ، فأنت إذا شئت ما تشاء ، حركت من أسرارهم كوامن ما أبطنت فيهم ، وأبدأت من إرادتك على ألسنتهم ، ما أفهمتهم به عنك في عقولهم ، بعقول تدعوك ، وتدعو إليك بحقائق ما منحتهم ...» .
من كتاب
الدين بين السائل و المجيب ج٢