خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٦ ربيع الثاني ١٤٣٢هـ
الإمام الحسن العسكري (ع)
العمل الصالح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمدلله رب العالمين «السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ» .
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} صدق الله العلي العظيم ، وقال الرسول الأعظم (لذكره صلوات) «أخلص العمل يكفيك القليل منه» وأيضا «أخلص العمل فإن الناقد بصير بصير» .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشايخنا الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أهنئكم بميلاد النور من الأنوار الساطعة سمي الإمام الحسن المجتبى وهو الإمام الحادي عشر أبي الحجة المنتظر ، الإمام الحسن العسكري الزكي عليه آلاف التحية والسلام .
لقد روى شيخنا المفيد أن العباسيين دخلوا على صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمد فقالوا له ضيق عليه ولا توسع .
فقال لهم : ما أصنع به ، وقد وكلت به رجلين شرَّ من قدرت عليه ، فقد فصارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم ، ثمّ أمر بإحضار الموكلين به فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟
فقالا له : ما نقول في رجل يصوم نهاره ، ويقوم ليله كلّه ، لا يتكلّم ، ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا ، وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا ، فلما سمع العباسيين بذلك إنصرفوا خائبين .
أعزائي ، إن الكتب التي تتحدث عن سيرة الإمامين العسكريين قليلة جدا ، لأنهما كانا محصورين في السجن من جانب ، ومن جانب آخر ما كان يتردد الإمامان الهمامان إلا على شيعتهم المخلصين حتى يكون هذا العمل مقدمة لغيبة صاحب الزمان روحي وأرواحنا له الفداء ، لأن غيبة الشمس الساطعة من الأنوار دفعة ولو بشكل ظاهري كانت ثقيلة لأهل زمانه وكان يعوِّدان شيعتهم ومحبي أهل البيت على إحتجاب وإختفاء إمامهم ، لكي لا يستوحشوا من غيبة قائهم مولانا ومقتدانا صاحب العصر والزمان المهدي المنتظر (عج) .
نقول : يا صاحب العصر والزمان ما حان الوقت لظهورك ؟؟ لم يبقى في قوس صبرنا من صبر نحن مشتاقون لقدومك المبارك ، اللهم عجل فرجة وانصرنا به نصراً عزيزا .
الآية المباركة التي تلوت في أول خطابي {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ} تشير بأن المال يعني القدرة الإقتصادية ، والبنين تعني القدرة الإنساني ، اللتان تعتبران في الحياة الدنيا من أهم رؤوس الأموال ، لا إعتبار لهما يوم القيامة إلاّ أن تستخدما في رضى الله .
بعبارة أخرى كما قال المفسر الشهير العلامة محمد حسين الطباطبائي ،فالمراد بنفي المال والبنين يوم القيامة نفي سببيتهما الوضعية الإعتبارية في المجمتع الإنساني في الدنيا ، فإن المال نِعم السبب والوسيلة في المجتمع للظفر بالمقاصد الحيوية ، وكذا البنون نعمة الوسيلة للقوة والعزة والغلبة والشوكة ، فالمال والبنون أمنة ما يركن إليهما ويتعلق بهما الإنسان في الحياة الدنيا ، فنفي نفعهما يوم القيامة كالكناية عن نفي كل سبب وضعي إعتباري في المجمتع الإنساني يتوسل به إلى جلب المنافع المادية كالعلم والصنعة والجمال وغيرها ، {إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ، فالإستثناء منقطع المعنى لكن من أتى الله بقلب سليم ، فإنه ينتفع به والمحصل أن مدار السعاده يومئذ على سلامة القلب ، سواء كان صاحبه ذا مال وبنين في الدنيا أو لم يكن ، الآية المباركة تسند النفع إلى القلب السليم وهو النفس السالمة من وصمة الظلم وهو الشرك الجلي والخفي والمعصية ، كما قال الله تبارك وتعالى في وصف اليوم {وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد ، من حيث أن الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد ، روي عن الصادق (ع) «إنه قال هو القلب الذي سلم من حب الدنيا» ويؤيده قول النبي صلوات الله عليه «حب الدنيا رأس كل خطيئة» .
النتيجة عندما صفا قلب المؤمن من الدنس و الخبث ، يعمل عملاً صالحاً والعمل الصالح يصفي قلب المؤمن بالرغم من أن يكون العمل قليلا ، والعمل الكثير دون نية صافية غير مقبول من الله ، لأن الله ناقدٌ بصير وإنما يتقبل من المتقين .
أيها المؤمن كيف نتمكن أن نجد العمل الصالح أفضل وأعلا من محبة أهل البيت والمشي في طريقهم سلام الله عليهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ؟؟!
وإكتساب المعارف الدينية من العلماء الذين سلكوا في مسيرتهم الطيبة ، وما قالوا إلا قولهم ، وما عندهم رأي إلا رأيهم ، وما تكلموا إلا بكلامهم ، منهم العلماء الماضين كشيخنا الطوسي والمفيد والكليني وسيد المرتضى والسيد الرضي والشيخ الحر العاملي والشهيدين وسائر الأجلاء ، ومن المتأخرين ككاشف الغطاء وبحر العلوم وخاصة سيدنا الأمجد السيد كاظم الرشتي ، وشيخنا الأجل أحمد بن زين الدين الإحسائي ، وآبائنا الذين عرَّفوهم إلينا الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، وعمي الأكبر آية المجاهد الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وأبي ومرشدي المظلوم آية المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، وسائر مراجعنا العظام .
وفي الخاتمة أقدر الجماعة كلهم خصوصا ضيوفنا الأعزاء القادمين من الأحساء والدمام وسائر المناطق وعلى رؤوسهم وكيلنا الأول العالم الفاضل الشيخ توفيق البوعلي حفظه الله ، و يجدر أن أقول إن الأمور في الشئون الدينية والثقافية والإجتماعية كلها ترجع إليه ولا غير ، ووكلائنا الآخرون الأعزاء المحترمون تابعون له ، وأقدر الجماعة الإحسائية الكويتية ووكيل مراجعنا هنا العالم العادل الأمين أبو صادق عبدالله نجم المزيدي حفظه وأبقاه ، وأوصيكم بالتقوى والتفكر والتعمق في الدين ومحبة أهل البيت تحت رعاية مولانا ومقتدانا الإمام الحجة بن الحسن العكسري (عج) ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .