معنى النورانية واللاهوتية وعالم المغيبات

المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح 

الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره


معنى النورانية واللاهوتية وعالم المغيبات


     نسمعكم دائما ترددون في خطبكم كلمة (النورانية) و (اللاهوتية) و (عالم الغيبيات) ، أرجو التفضل بشرح معنى هذه الكلمات ؟ وما هي المخلوقات النورانية ؟ .

مهدي عبد الله الصفار (الكويت)


جواب :

 

      إعلم يا عزيزي إنَّ شرح هذه الكلمات ، يحتاج إلى أطول مجال ، وإلى الإستعداد في المستمع ، واطلاعه على مقدّمات العلم والحكمة الإلهية ، ولحن أهل بيت العصمة ، عليهم السلام ، وما أرى في مجلسنا هذا التهيؤ ، ولكني أقدم لكم تفسيرها على نحو الإختصار ، فأقول :

 

     إن الوجود ينقسم إلى أربع مراتب من العوالم : 

عالم اللاهوت ، وعالم الجبروت ، وعالم الملكوت ، وعالم الناسوت ، ويسمى (عالم الملك) .

 

     أما اللاهوت : فهو عالم النور والمقامات النورانية ، وهذا العالم أول شيء خلقه الله عزَّ وجل قبل كل شيء ، ويسمى وقته بالسرمد ، وهو نور الله الذي خلق منه حبيبه محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجابر : «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر» .

 

    وفي هـذا العالم مقام القـدرة والعظمـة ، يعني باطن الولايـة والنبـوة الـذي أشار إليـه مـولانـا أمـيـر المـؤمنـيـن عـلي بن أبي طـالب ، عليـه السلام ، في حديث النورانية ، قائلا لسلمان وأبي ذر : 

«معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي بالنورانية» وهو المقام الذي وصل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في معراجه وسلك مسالكه وسار في درجاته وحده بعدما خلف جبرائيل و ميكائيل في مقامهما ، ووقفا على حدودهما ، كما قال جبرائيل للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما زجه في النور زجة : 

«يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لو دنوت أنملة لاحترقت أجنحتي» وهذا المقام مقام الفؤاد فوق مقام العقل كما حكى عنه عز وجل : {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى} وهو منتهى عوالم الوجود والبرزخ بين الكون والإمكان ، عالم قاب قوسين أو أدنى المحيط على سائر العوالم ، والمهيمن عليها .

 

     وأما عالم الجبروت : فهو عالم العقل ، والعقل هو الحامل للركن الأيمن الأعلى من العرش الذي ينحدر منه سيل الفيوضات والرزق بإذن الله عز وجل ، والمستمد منه ميكائيل الموكل برزق العباد من قبل الرزاق . وجاء في دعاء القنوت في صلاة العيدين : 

«اللهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت» فببياننا هذا يعرف مناسبة الجود مع الجبروت ، لأن فيض الجواد نازل من عالمه .

 

    وأما عالم الملكوت : فهو غيب هذا العالم الذي حكى الله عنه في سورة إبراهيم (ع) حيث قال : 

{وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}

وقال عز وجل في آخر سورة (يس) : 

{فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ومنه يمطر سحاب رحمته على أراضي الملك ، ويجري شطوط نعمه ، تبارك وتعالى ، نحو عالمنا .

 

    وأما عالم الناسوت ، أو الملك : فهو هذا العالم المحسوس ، العرش الجسماني ، مع ما فيه من الشموس ، والكواكب من الثوابت والسيارات .

                                          

من كتاب

الدين بين السائل و المجيب ج١