القرآن الكريم الظاهرة السماوية الأبدية

 بسم الله القادر المتعال 

القرآن الكريم الظاهرة السماوية الأبدية 


تلك الظاهرة السماوية الأبدية ، والمبتدأ الذي كان خبره يزلزل الدنيا … إليك مختصراً من ذلك الخبر الكبير ، معدن العلم والنور ، الذي راح يشغل فكر العظماء من المفكرين ، عبر القرون الأربعة عشرة ، ويشدّ إليه أنظارهم ، وبصائرهم …


ها نحن وتاريخ التمدن البشري … اليوم ، عصر العلم والتقدم العلمي ، الذي عمَّت البلاد والأمم جميعاً أخباره ...


فاليوم عصر الكتب والمطبوعات … التي زيَّنت ممرات الطرقات ، والشوارع ، إضافة إلى البيوت والغرف …


فما عليكم إلا أنْ تواكبوا هذا التقدم والتطور العلمي للبشرية ، بالقراءة والمطالعة ، ومن ثم التَّفكر والتعمّق ، والإستدلال الصحيح ، والتجرد ، بالحكم العادل ... لتقفوا على الحقيقة الجلية التي توضح:


أنّه ليس في العالم ، معجزة وأعجوبة ، أعظم من معجزة القرآن العظيم (۱) ، لأنَّه بتجلياته السماوية ، استطاع ، وفي أقل من نصف قرن فقط ، أن يسخر أكثر العالم المتمدن ، وأن يزلزل سطوته ، وأنْ يوقظ العقول الغافلة ، ويسلب القرار والإستقرار ، من القارات الأرضية ، وأنْ يحول التاريخ تحوّلاً عميقاً ، من خلال تملكه عقول العلماء والمفكرين في العالم ، ذلك التملك الذي سيدوم ما دام الدهر!!


هذه النهضة المقدسة السماوية ، نهضة العلم ، والمنطق ، والعقل ، والنظام المطلق ، هي التي أفاضت على القلوب والأرواح المضطربة ، سكوناً واستقراراً سماوياً ، بعد أنْ ملأ الدنيا دويّها ، وراح يقرع أسماع أهلها ، كما يفعل دويّ الرعد والصاعقة ، ولكنه بشكل أوسع وأشمل ، بحيث تجاوز الأسماع ليصل إلى القلوب ، فيوقظها من نومتها وغفلتها ، فانتبهت مذعورة مدهوشة ، لتصغي لذلك الصوت السماوي المتصاعد من جبال الحجاز ، ولتعرف متحيرة من أين هذا الصوت؟ وأين مصدره؟ وماذا يقول؟


ولكن حقاً ، إنَّ العظماء والعقلاء في ذلك اليوم - فضلا عن عموم الناس - كانوا قاصرين عن فهم ذلك السرّ السماوي ، والتعمق فيه ، ولكنهم عرفوا هذه الحقيقة : إنَّ هذا الإنقلاب والحدث العظيم ، ليس شيئاً وقتياً ، وقصير الأجل ، نعم ، عرفوا أنَّ هذا الخبر مفتاح تحول عظيم ، ووراءه الأخبار الجسيمـــة والعظيمة … إنَّ هذا المبتدأ ينتظر الأخبار العجيبة ، والمعاجز الكبيرة ، التي سترد من خلفه!!


فما كان أول تلك الأخبار المحيّرة؟!


في تلك المرحلة ، وفي أوائل ظهور ذلك النور ، والكتاب السماوي ، زلزل العالم المتلاطم والمتعب ، وفي أول بزوغ شمسه ، قهر صناديد العرب المتعصبة لتقاليدها ومفاهيمها الجاهلية ، وتفاعل مع قلوب الفصحاء من العرب ، بحيث لم يجدوا سبيلاً لمقاومته ومواجهته ، ووقفوا تجاهه موقف التسليم ، والإنفعال ، والإنزواء.


إنَّ تجلّي تلك الروح السَّماوية ، وذلك الكوكب الوضَّاء ، قهر أبطال البلاغة والفصاحة ، وأجبرهم على الإعتراف بالعجز والضعف تجاهه ، فذهب البعض منهم ، وقد غلبهم الذعر والقلق ، ليُنزلوا معلقاتهم الأدبية (۱) ـ التي كانت وسيلة فخرهم وتفاخرهم - عن جدار الكعبة ، معلنين بذلك فشلهم أمام التحدّي الأدبي والبلاغي للقرآن الكريم ، بينما ذهب الآخرون منهم ، وبدوافع عصبية وانتقامية ، لينسبوه إلى السحر…


إنَّ تحدّي القرآن ، وصدى نزوله ، لم يكن في الحجاز فحسب ، بل راح يزلزل عرش كسرى العظيم ، وعـروش امبراطورية الروم ، وكنائس المسيحيين ، ويسخرهم ، ويضطرهم للإعتراف به والخضوع له . وراح يعبر القارات والبحار ، ليصل إلى (الصين) ، وحتى سواحل البحار العظيمة ، والجزر ، وفي كل مكان على الأرض ، ليتفاعل مع فطرة كل إنسان موجود يعيش عليها ، فيعلمهم دروس التوحيد والكرامة الإنسانية ، فحطم قصور الظلم ، والطغاة ، والمستكبرين ، وفضح أقوالهم ، وتعاليمهم الواهية ، وأبدل بها عدالته الواسعة ، وبيانه الفصيح ، وتعاليمه البديعة ، وأرسى قواعده الجديدة ، المبنية على التوحيد ، والعدل ، والعلم ، والأخوَّة ، والمساواة ، في مركز التمدن والتطور ، لمدى الدهر ، حيث نسخ العنصرية القومية ، وعبادة الأصنام ، وأقرَّ عبادة الله الواحد ، وتساوي العباد تجاهه... 


وبعد مضي أربعة عشر قرناً ، وفي عتبة القرن الخامس عشر ، وفي هذا العصر ، عصر العلم ، وقمة الحضارة والتطور ، نجد لهذه الوديعة السماوية ، والتذكار المحمدي (ص) ، نفوذاً عميقاً يتحكم في ضمائر وأفكار المجتمعات الحضارية في كل العالم ، بحيث اعتلى موقع التوراة والإنجيل في خزانات الكتب ، وفي أهم مراكز المسيحيين ، ليرفع صوته عالياً بالآية الشريفة : {إنَّ الدين عند الله الإسلام} (١) ، فيدبّ في عروشهم وقلوبهم ، الخوف من الإنهيار التام ، والشامل... 


إنَّ الجانب العلمي ، في هذا الكتاب السماوي العظيم ، ليبعث على الإعجاب والإكبار ، حيث أنَّه لم يترك جانباً من جوانب العلوم والفنون إلا وغاص فيه ، وكان مرجعاً ومصدراً وثيقاً فيه (١).


وعلى رغم مرور الزمن الطويل ، من تاريخ نزوله ، ومع وجود المناوئين الأقوياء ، والمعارضين الأشداء ، لم يتمكن أحد منهم أن يثبت عليه ، أي إشكال ، أو نقص ، حتى إنهم عجزوا عن كشف جملة غير بليغة ، أو ناقصة ، في كل الآيات القرآنية الكثيرة ، إذ إنه ما تطرق إلى موضوع إلا بابتكار وإبداع ، وما حكم في شيء إلا بالحكم الثابت ، والمستدل وبشكل إعجازي.


والحال إنَّ كل تأليف ، ومهما كان عليه مؤلفه من الدّقة ، والتحقيق ، والإحتياط ، سرعان ما تتوضح أغلاطه ، ويخسر موقعه العلمي ، ولكن قرآننا المقتدر ، بما يحويه من العلوم والحقائق العلمية ، يتحكم في الناس ، تحكماً علمياً وأخلاقياً ، على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً عليه ، ولا يزال مرجعاً ومصدراً ، لكل اكتشاف جديد ، ومنبعاً لأسرار الكون ، وما تقدمت البشرية في زاوية من زوايا التطور العلمي ، إلا وكان ذلك التقدم سنداً وثيقاً لإثبات عظمة هذا الكتاب.


ولم يجد العلماء والمكتشفون سبيلاً ، إلا المثول أمام القرآن ، والوقوف وقفة الإعجاب والإكبار ، والإعتراف بأنهم قاصرون عن تعريف هذا الكتاب السماوي ووصفه ، بما يستحقه من وصف ، وبكل ما قالوه ، أو وصفوه ، لم يؤدوا حق تعريفه ، وبیان كنهه ، وما ذاك ، إلا لأن القرآن كبير وعظيم ، بحيث لا تستوعبه المرايا الموجودة...


إنَّ جميع ما قاله القائلون ، وكتبه الكاتبون ، في حق هذا الكتاب العظيم ، ليس إلا كقطرة من الماء ، ترشح من خلال الأمواج المتلاطمة في البحار العظيمة ، فيتسنَّى لها الظهور مع تلاطم الأمواج ، ولكن سرعان ما تختفي وتضيع ضمن المقادير المتكاثرة من المياه... 


ولكن هذا لا يمنعنا من وصفه ، والغوص فيه ، والتحدث عنه ، بما يتلاءم مع أفكارنا وعقولنا القاصرة ، في إعطاء حقه من البيان.


فكل منا يكيل منه بمكياله ، ويغرف منه بمقدار همته واستيعابه ، فإنه كما يقول الأديب الفارسي : «إنْ لم يمكنك قطف الوردة من الشجرة ، فكن من الملازمين لها ، لتحسب من محبيها!».


سأكتفي بهذا المقدار من البيان ، لأنقل إلى القراء الكرام ، اعتراف العظماء من غير المسلمين ، وشهادتهم بعظمة القرآن الكريم في صدر الإسلام ، وفي عصرنا الحاضر ، ليزدادوا إيماناً به ، ومعرفة فيه ...


إنَّ الإنتشار السريع للإسلام ، ونفوذ الآيات القرآنية ، وتفاعلها مع أرواح وقلوب أصحاب الضمائر الحرة ، وإقبالهم على النبي (ص) ، ودخولهم في الإسلام جاء ضربة قاسية على رؤوس المستكبرين والطغاة ، من زعماء الجاهليين ، فراحوا يخططون لمنع انتشاره وتوسّعه ، وجعلوا يتوسلون بكل نفيس ورخيص ، بإملاء من فكرهم الناقص الجاهل ، للحطّ من قداسته وكرامته ، لأنهم وجدوا في الإسلام هدم زعامتهم ، ومواقعهم الاجتماعية ، حيث أنَّ الإسلام بدأ إصلاحاته العميقة متكئاً على قدرتـــه المعنوية ، لرفض عبادة الأصنام ، والقتل ، وسفك الدماء ، والكذب ، والسرقة ، والسيطرة على الآخرين ، والعنصرية ، والزعامات الموروثة والإستعباد ، و ... و ... إلى آخر ما هنالك من مظاهر الجهل والظلم التي كان يمارسها أمثال أبي جهل (۱) ، وأبي سفيان (۱) ، وأبي لهب (۲) ، وعتبة ، وشيبة ، وغيرهم ، فوجد هؤلاء في الإسلام ، خطراً يهددهم ، ويهدّد وجودهم ونزواتهم ، فجعلوا يتداولون في أساليب التغلب عليه ، وإطفاء نور الهداية الإلهية ، فمارسوا كل الأساليب الوحشية للوصول إلى ذلك الهدف ، حتى إنهم خططوا لقتل رسـول الله (ص) ، مرات عديدة ، لولا أنَّ الله ، عزّ وجلّ ، وعـد رســولــه بحفظ القرآن (۱) ، وصون رسالته …


فالتجأ أبو جهل ، العدو اللدود لرسول الله (ص) ، إلى كبير من كبار الحجاز ، وعظيم مكة ، الوليد بن المغيرة المخزومي (۱) ، ليستفيد من موقعه ، وكلمته النافذة ، وقوله الحاسم ، لإطفاء نور الرسالة السماوية.