‏إظهار الرسائل ذات التسميات - الولاية (الجزء الأول). إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات - الولاية (الجزء الأول). إظهار كافة الرسائل

كلام حول عصمة الأنبياء (ع) ، والأئمة (ع)

 كلام حول عصمة الأنبياء (ع) ، والأئمة (ع)


إذا أخذنا الآيات المذكورة بظاهرها ، يستلزم أنْ ننسب الخطأ والذنب إلى رسول الله (ص) ، وهذا يتعارض مع أصل عصمة النبي (ص) والإمام (ع) ، وكذلك مع الآيات القرآنية الأخرى ، والدلائل العقلية ، حيث أنَّ نسبة الخطأ والذنب إلى أولياء الله مخالفة للأصول المسلَّمة ، النقلية منها والعقلية ، ومع ماهية العصمة الذاتية فيهم.


وأجمعت الفرقة الناجية الإمامية الإثنا عشرية ، على عدم صدور الذنب والخطأ منهم لعصمتهم الذاتية عنها ، لأنَّ المعصوم من لا يقترف الذنب والخطأ ، كبيره وصغيره.


وللإستدلال والتوضيح ، نعرّف مادة «العصمة» لغوياً ، ثم نورد الأدلة على عصمة الأنبياء والأئمة (ع):


  • تعريف العصمة والمعصوم:

العصمة في اللغة : بمعنى المنع والحفظ . قال علماء اللغة : «عصم الله فلاناً من المكروه : حفظه ووقاه».


وفي مصطلح علماء الإمامية : «العصمة ملكة ربانية تمنع من فعل المعصية ، والميل إليها ، مع القدرة عليها».


فالمحصل من التعريف أن المعصوم : من لا يرغب في ارتكاب الذنب ، ولا يميل إليه بشكل ذاتي ، مع تمكنه وقدرته عليه ، فهو ليس من لا يذنب فحسب ، بل لا يفكر ولا يخطر بباله ذلك (١).


وهذا مما لا يمكن تصور حصوله حتى من الأشخاص العاديين ، فضلاً عن المعصومين ! 


مثلاً : إنَّ من نشأ وترعرع في أحضان أسرة مؤمنة طاهرة ، لا يقدم على قتل إنسان آخر ، وإن كان قادراً عليه ، بل ولا يسمح لنفسه أنْ يفكر في قتل أحد.


ففي هذه الصورة ، يمكننا القول : إنَّ هذا معصوم عن صفة القتل . وهكذا من تربَّى تربية صالحة ، تشمئز نفسه وذاته ، عن ارتكاب الزنا بالمحصنة ، أو مع المحارم ، وحتى إنه يأبى التفكير في هكذا عمل شنيع ، وإنْ كانت لديه القدرة الجسمية الكاملة لارتكاب هذه الجريمة ، لولا وجدانه الذاتي الحي.


وأمثال هؤلاء كثيرون في المجتمعات البشرية العادية ، وتتوفر فيهم عصمة ذاتية ، بالنسبة إلى بعض الذنوب والمعاصي.


أما الفرق بينهم وبين المعصومين (ع) ، أنَّ الأشخاص العاديين تنحصر عصمتهم في ذنوب معدودة ، محصورة ، مع إمكان خضوعهم لبعض التغيير والتبديل ، بحسب الزمان ، والبيئة ، والمجتمع ، وحتى إمكانية نسخها منهم.


ولكن المعصومين (ع) معصومون بالنسبة إلى جميع الذنوب والمعاصي والخطايا ، ثابتين عليها ، ولا تتأثر عوامل التغيير الزمنية والمكانية فيهم ، تفاعلت صفة العصمة مع أرواحهم ، وقلوبهم ، فهي ملازمة لهم ، غير منفكة عنهم ، حيث قال الله ، عزَّ وجل: {إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ} يعني محمداً وآل محمد، {وَآلَ عِمْرانَ} يعني أنبياء بني إسرائيل {عَلَى الْعالَمِينَ} (١).


ومن البداهة بمكان : إنَّ وجه الإصطفاء هذا ، وسببه يكمن في العصمة الذاتية المتواجدة في الأنبياء (ع) ، والأئمة الطاهرين (ع) ، وبها امتازوا عن الخلق فهم يتمتعون بحصانة تجاه كل أنواع الكفر ، والشرك ، والذنوب الكبيرة والصغيرة ، والخطأ العمدي ، أو السهوي ، أو النسيان ، لأنهم يسقطون من مرتبة الإصطفاء الإلهي بمجرد صدور الذنب عنهم ، ولأنَّ العقل السليم لا يقبل أنْ يصدق أنَّ فرداً يذنب ، ويعصي الله ، عزَّ وجل ، ويكون مصطفى ومقرباً إليه!


ولنا على ذلك أدلة كثيرة ، نذكر بعضاً منها: 

١- إنَّ الله ، تبارك وتعالى ، يأمر عباده بالطاعة التامة ، والمتابعة للنبي (ص) في ما يفعل ، ويأمر في آيات كثيرة ، منها:

( أ ) {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ} (٢).


(ب) {قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} (۳).


(ج) {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّـهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} (٤).


( د ) {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقابِ} (۱).


(هـ) {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً} (٢).


إنَّ الملاحظ من مجموع هذه الآيات، أنَّ الله ، عز وجل ، أوجب على الناس جميعاً الطاعة التامة ، للرسول (ص) ، بل جعل طاعة الرسول من طاعته ، ومساوية لها.


فإذَن كيف تصح طاعته ، ومتابعته في أقواله وأفعاله ، على فرض صدور الذنب منه ، وعدم عصمته ؟ بل سنتبعه في الخطأ والذنب الصادر عنه ، إن صح الإفتراض!


وإذا افترضنا أنَّ الله ، عزَّ وجل ، أمر عباده بالطاعة التامة ، للنبي غير المعصوم ، ومتابعته - حتى في الذنوب - فإذن يلزم أن يكون الله أمر بالجمع بين الوجوب والحرمة : وجوب الطاعة ، وحرمة المعصية - وهذا يخالف الحكمة الإلهية ، فإنه من المستحيل أنْ يأمر الله عباده بمتابعة الرسول (ص) - وإن كان خاطئاً أو مذنباً - في بعض الآيات ، وفي البعض الآخر منها ، ينهى عباده عن الذنوب والمعاصي ! وهذه تناقض الأخرى ، والله عز وجل ، لا يأمر بالنقيض .


وهنا لا مجال - بحكم العقل - إلا أنْ نختار عصمة الرسول (ص) عن كل خطأ وذنب ، لأنه إذا لم يتصف النبي (ص) بالعصمة ، وكان يجوز الخطأ عليه ، لم يأمر الله الناس بطاعته ومتابعته ، وعندها نجد الأمر بالطاعة المطلقة والمتابعة ، بل جعل أقواله وأعماله أسوة للناس ومنهاجاً ، نقطع بعصمته ، وبراءته من كل خطأ صغر أم كبر ، وسهو ونسيان مؤدّيين للخطأ.


۲- يلزم من الإعتقاد بعدم عصمة الرسول (ص) ، والأئمة (ع) ، وجواز صدور الذنب والخطأ منهم ، القول : بأنهم ـ والعياذ بالله - يطيعون الشيطان ، ويتابعونه ! ذلك أنَّ حقيقة الذنب - والمعصية وماهيتها ، طاعة الشيطان وتنفيذ رغباته ، والقاءاته ومخالفاً ووساوسه ، والذي يطيعه في ذلك ، يكون من حزبه ، ومخالفاً للرحمن ، كما يقول الله ، عز وجل:


{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ} (۱) ، علماً بأنَّ القرآن يصف أهل البيت (ع) بأنهم حزب الله ، في قوله تعالى: 

{أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (۲).


٣- يلزم من افتراض صدور الذنب والخطأ منهم ، عليهم الصلاة والسلام ، أنْ يكونوا من «الفاسقين» ، لأنَّ «الفسق» : هو الخروج من طاعة الله ، عزَّ وجل ، والتزام طاعة الشيطان ، وهو ما يحصل بارتكاب الذنوب ، ويترتب على ذلك أنْ لا تقبل شهادتهم ، عليهم الصلاة والسلام ، لأنَّ الله يأمر بـردّ شـهــادة الفاسقين ، في قوله تعالى : {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} (۱) ، وكذلك في قوله تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (۲) .


وبديهي أنَّ ردّ شهادة الأنبياء والأولياء ، يتعارض مع حكمة إرسالهم ، وهذا واضح البطلان ، لأنهم سفراء الله ، عز وجل ، وخلفاؤه على الأرض ، يبلغون ما حملوا من الله إلى البشر ، فيجب على الناس جميعاً الإستماع إليهم ، وتنفيذ أوامرهم ، دون تردد أو سؤال ، لأنَّ في الردّ عليهم ، وعدم قبول أوامرهم ، رفض للوحي ، ولأوامر السماء .


٤- إذا كان النبي (ص) ، والأئمة (ع) غير معصومين ، ويصدر منهم الذنب والمعصية ، وجب على الناس إنكار ذلك عليهم ، من باب (النهي عن المنكر) ، وكذلك إيذاءهم ، وإجراء الحد والقصاص عليهم في بعض الموارد ، ولكن من المعلوم أنَّ إيذاء الأنبياء فعل حرام ومحرم في القرآن ، ومن يقوم بذلك فهو ملعون بقوله تعالى : {الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّـهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} (۳)، وكذلك في الآية الشريفة : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّـهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً} (٤)


وعندما نرى أنَّ الله ، عزَّ وجل ، ينهى عن إيذاء الرَّسول (ص) ، ويشدد على ذلك ، نعرف بالضرورة أنهم (ع) ، لا يعصون الله ، ولا تصدر منهم الذنوب ، ليستحقوا بذلك الإيذاء ، والقصاص ، والحد!


٥- إنهم ، عليهم السلام ، على فرض ارتكابهم الذنوب والمعاصي ، لا يستحقون منزلة النبوة والإمامة ، لأنَّ مسؤولية النبي والإمام : منع الناس عن الخطأ والذنب ، وإرشادهم إلى طاعة الله ، عزَّ وجل ، والابتعاد عن وساوس الشيطان .


وكيف يمكن أنْ يبعث الله ، عزَّ وجل ، من يمنع الناس عن الذنوب والمعاصي ، وهو يرتكبها ، وتصدر منه؟! 


وفي هذا القول إساءة إلى الله ، عزَّ وجل ، وتعارض لحكمته وعدله.


والحال ، إنَّ الله يصرّح في القرآن الشريف بأنَّ عهد النبوة والإمامة لا يناله الظالمون ، وذلك عندما أخبر الله سبحانه إبراهيم (ع) بإمامته ، بقوله تعالى : {إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً} ، قــال إبراهيم (ع) طالباً تلك المنزلة لذريته : {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} ، فأجابه الله ، عز وجل ، بقوله : {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (۱)


وعندما نجد أنَّ الله ، عزَّ وجل ، شرَّف نفراً من الناس ، برتبة النبوة والإمامة ، نفهم أنه لا يصدر عنه أي نوع من الظلم ، والذنب ، والخطأ ، وإنْ لم يكن كذلك ، وصدر أو يصدر منه الذنب ، لما فُضّل بهذه الفضيلة ، والمنزلة .


وواضح من هذا كله ، أن الذنوب والمعاصي تتنافى ومنزلة النبوة والرسالة ، وأنَّ بعث الأنبياء والرسل ، وجعل الأئمة بعدهم ، كل ذلك من أجل هداية الناس إلى سواء السبيل ، وعمل الخير وتحصيل الثواب ، ونهيهم وردعهم عن الذنوب والمعاصي ، وهذا لا يتماشى مع ارتكابهم مثل ذلك ، وفي هذه الفرضية اجتماع للنقيضين ، وهو محال ، ولا يمكن للإنسان العاقل أنْ يتصور فيهم مثل ذلك ، إلا أن يكون ناقص العقل ، أو يكون في قلبه مرض. 


وإذا أثبتنا بالأدلَّة المذكورة «عصمة الأنبياء ، والأئمة ، عليهم الصلاة والسلام» ، عن الخطأ والذنب ، وحتى السهو والنسيان ، لا بدَّ أنْ نذكر تأويل أهل البيت (ع) ، للآيات القرآنية ، التي تدل في ظاهرها على صدور الذنب والمعصية منهم ، سلام الله عليهم ، لنقف على المقصود الحقيقي من تلك الآيات المغايرة لظاهرها ، ومن الله التوفيق وعليه التكلان:



















بعض الآيات المتشابهة وتأويلها

 بعض الآيات المتشابهة وتأويلها

إنَّ الآيات المذكورة ذيلاً هي نموذج من الآيات القرآنية المتشابهة ، التي في حملها على معناها الظاهري ، مخالفة للتوحيد ، ومساوقة للكفر ، والشرك المحض.


ثم نبيّن المعنى الصحيح للآية المتشابهة ، وتأويلها ، من كلمات الأئمة المعصومين (ع):

  1. {وَجاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (١).
  2. {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} (۲).
  3. {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (١).
  4. {يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (٢).
  5. {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّـهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (٣).

إنَّ الآيات التي ذكرناها ما هي إلا على سبيل المثال ، ولها نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، تدلُّ في ظاهرها على تجسّم الله ، تبارك وتعالى ، وبشكل صريح ، حيث أنَّ الآية الأولى ، والخامسة منها ، تحكي عن ظهور الله ، عزَّ وجل ، في صفوف الملائكة ، للرائين والناظرين.


والآيات : الثانية ، والثالثة ، والرابعة ، تثبت لله ، عزَّ وجل ، أعضاء وجوارح ، ويداً ، ووجهاً ، ورجلاً ، كسائر المخلوقات ، وبديهي أن هذه الأمور تخالف عقيدة التوحيـد ، وتناقض بقية الآيات القرآنية.


ومن المسلم به عند جميع الموحدين في العالم ، والمسلمين منهم على وجه الخصوص ، أنَّ الله ، تبارك وتعالى ، ليس بجسم ، وليست له جوارح مثل مخلوقاته ، بل هو موجود لا كالموجودات ، وليس لأحد أن يصوره في فكره ، ووهمه ، وخياله ، وهو تعالى منزَّه عن كل ذلك.


فإذاً لا حيلة في فهم هكذا آيات متشابهة ، يخالف ظـاهـرهـا العقائد الحقة ، إلا بالعودة والرجوع إلى أساتذة القرآن الواقعيين ، أعني أهل البيت (ع) ، فنسألهم لكشف الصواب عن معانيها.


  • وفي هذا الصدد ، نذكر روايات عدة ، عن أئمة أهل البيت (ع ) ، ليتبين المعنى الواقعي ، والتأويل الصحيح للآيات:

۱- «عيون أخبار الرضا (ع)» : بأسناده عن علي بن موسى الرضا (ع) ، أنه قال: 

«من شبَّه الله تعالى بخلقه ، فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر» (۱).


والملاحظ من هذا الحديث ، أنَّ الإمام الرضا (ع) يعتبر أن كل من يشبِّه الخالق بالمخلوق ، كأن ينسب إليه تعالى أعضاء وجوارح ، أو يدَّعي رؤيته بالعين المجردة ، مما يستلزم الجسمية ، فهو كافر محضاً ، ومن يعتقد بذلك فهو مشرك.


ويؤيد القرآن الشريف هذه الرواية حين يقول تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (٢) ، وكذلك قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} (۳).


وعليه ، فالإعتقاد بظاهر الآيات المتشابهة ، يتعارض مع عقيدة التوحيد ، وصريح الآيات ، والروايات الواردة عن آل محمد (ع) ، فلا مناص من الرجوع إلى الأئمة (ع) ، لكسب المعنى الحقيقى لها ، المطابق للعقيدة التوحيدية الخالصة ، ويدعمها الحديث التالی:


۲- «عيون أخبار الرضا (ع)» :بأسناده عن عبد السلام بن صالح الهروی (أبو الصلت) ، قال: 

«قلت للإمام علي بن موسی الرضا (ع): مولاي! ما تقول فيما يرویه العامة (أهل الحديث ۔ خ ل) ، أنَّ المؤمنين يزورون ربهم في منازلهم في الجنة؟!

فقال (ع) : یا أبا الصلت! إنَّ الله ، تبارك وتعالی ، فضَّل نبيَّه محمدأ (ص) ، على جميع خلقه ، من النبيين ، والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، ومتابعته متابعته ، وزیارته في الدنيا والآخرة ، زيارته ، فقال ، عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّـه} (۱) ، وقال : {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (۲).


«وقال النبي (ص): من زارني في حياتي ، أو بعد موتي ، فقد زار الله تعالی»، 

ودرجة النبي (ص) في الجنة ، أرفع الدرجات ، فمن زاره في درجته في الجنة ، من منزله ، فقد زار الله ، تبارك وتعالی ...» (٣).


المحصل من هذا الحديث: إنَّ المقصود من الآيــات والروايات ، التي تتضمن رؤية الله ، عزَّ وجل ، ليس ذات الله ، لأنه ثابت أنَّ ذات الله ليست بجسم ، ولا يتجسم ليرى بالعين ، بل المقصود من رؤية الله ، رؤية مظاهر قدرته ، وسفرائه ، أعني محمداً (ص) ، وآل محمد (ع) ، كما بيَّنه الإمام الرضا (ع) ، في الحديث الماضي.


  • وجاء في تأويل الآية المباركة : {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}:

۱- «عيون أخبار الرضا (ع)» : إبن بابويه ، بأسناده عن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ، في تأويل الآية المباركة ، قال (ع): 

«إنَّ الله تعالى ، لا يوصف بالمجيء والذهاب ، تعالى عن الإنتقال ، إنما يعني بذلك: وجاء أمر ربك ، والملك ، صفاً صفا» (۱)


ومعلوم أنَّ حاملي الأمر الإلهي في الدنيا والآخرة ، هم محمد (ص) ، وآل محمد (ع).


۲- «عيون أخبار الرضا (ع)» : بأسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي (أبو الصلت) ، قال: 

«يا بن رسول الله! فما معنى الخبر الذي رووه : «إنَّ ثواب لا إله إلا الله ، النظر إلى وجه الله تعالى؟» 


فقال (ع) : يا أبا الصلت! من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه ، فقد كفر ، ولكن وجه الله تعالى ، أنبياؤه ، ورسله ، وحججه ، صلوات الله عليهم ، هم الذين بهم يتوجه إلى الله ، عزَّ وجل ، وإلى دينه ومعرفته ، وقال الله تعالى: 

{كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦)  وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} (۱)، 

وقال ، عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (۲) ، 

فالنظر إلى أنبياء الله تعالى ، ورسله ، وحججه (ع) ، في درجاتهم ، ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة ، وقد قال النبي (ص): 

«من أبغض أهل بيتي وعترتي ، لم يرني ، ولم (فلم - خ ل أره يوم القيامة» ، 

وقال (ص) : «إنَّ فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني».


«يا أبا الصلت! إنّ الله ، تبارك وتعالى ، لا يوصف بمكان ، ولا يدرك بالأبصار ، ولا تدركه الأبصار والأوهام» (۳).


إنَّ المستفاد من هذا الحديث ، وهو كلام الإمام الرضا (ع) ، بشكل صريح ، أنَّ المقصود من «وجه الله» الأنبياء ، والرسل ، والأئمة الطاهرون ، الذين بواسطتهم يتعرف الناس على الله تعالى ، ودينه.


والدليل العقلي والعلمي على ذلك هو: كما أنَّ الوجه عند الإنسان وسيلة معرفته من بين أعضائه وجوارحه ، فيتعرف الناس ، بعضهم على بعض ، من خلاله وواسطته ، كذلك أبين وسيلة للتعرف على الله ، وقدرته ، وعظمته ، من بين جميع مخلوقاته ، هم الأنبياء ، والأوصياء ، ومحمد (ص) ، وآل محمد (ع) ، على وجه الخصوص ، وبهذا السبب يسمى كل منهم «وجه الله».


وتأييداً لهذا ، يقول عليه الصلاة والسلام: «بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، لولانا ما عُرف الله ، ولولانا ما عُبد الله» (۱).


فإذاً ، ليس المقصود من الآيات المذكورة ، وجه الله ، ويد الله ، جلَّ وعلا عن ذلك ، بل المقصود مظاهر أمره ، وقدرته ، وفعله ، يعني محمداً (ص) ، وآل محمد (ع).


  • ومن الآيات المتشابهة التي يلزم المعتقد بظاهرها الكفر والإلحاد ، قوله تعالى:

۱- {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ} (۲).

٢- {اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (٣).

۳- {وَمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} (٤).

٤- {إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ} (۱).

٥ـ {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّـهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً} (۲).


إنَّ هذه الآيات وآيات أخرى ، تنسب إلى الله ، عز وجل ، صفات مثل الإستهزاء ، والخدعة ، والمكر ، وجلَّ وعزَّ عنها.


والحال ، إنَّ الموحدين جميعهم متفقون على أنَّ الله سبحانه ، يستجمع جميع صفات الكمال ، ومنزَّه عن الصفات الذميمة ، ونسبة هذه الأوصاف لا تتماشى مع كثير من الآيات القرآنية ، التي تنفي عن الله تعالى ، كل نقص.


وإنَّ نسبة هذه الصفات إلى المخلوقين ممنـوعـة ، شرعاً وعقلاً ، إلا إذا كان أحدهم متلبّساً بها حقيقة ، فالله ، عزَّ وجل ، الذي ينهى عن نسبة هذه الصفات إلى المخلوقين ، كيف ينسبها إلى نفسه؟! فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.


فإذاً ، لا حيلة ، إلا الإعتقاد بأنَّ الآيات متشابهة ، ولها تأويل خاص ، يجب العودة إلى أرباب التفسير والتأويل ، محمد (ص) ، وآل محمد (ع) ، لحلها وكشف حقائقها.


  • وفي هذا المجال روايات كثيرة تؤوّل الآيات المتشابهة ، بما يتطابق مع الأدلة الشرعية والعقلية:

۱- «عيون أخبار الرضا (ع)» : علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ، أنه قال: 

«إنَّ الله تعالى ، لا يسخر ، ولا يستهزىء ، ولا يمكر ، ولا يخادع ، ولكنه تعالى يجازيهم جزاء السخرية ، وجزاء الإستهزاء ، وجزاء المكر ، والخديعة ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً» (١).


مع هذا التوضيح والإستدلال المحكم ، للإمام (ع) ، يتوضح: أنَّ الآيات لا تؤخذ بظاهرها ، وليس المقصود فيها نسبة الإستهزاء ، والمكر ، والخديعة ، إلى الله ، عزَّ وجل ، ابتداءً ، بل المعنى الصحيح هو : إنَّ الله ، عز وجل ، يجازي ويعامل كلاً من العاصين على طريقته ، ويعامله بالمثل.


۲- «تفسیر مجمع البيان» (۱) ، و «الصافي» (٢) ، عن «تفسير العسكري (ع)» (۳) ، وروى ابن عباس (٤) ، وجمع من مفسري العامة (٥) ، في تأويل الآية المباركة {اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (٦) ، عن الأئمة الطاهرين (ع).


  • قال الطبرسي : «قيل في معنى الآية وتأويلها ، وجوه:

أحدها : أن يكون معنى {اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} : يجازيهم على استهزائهم . والعرب تسمي الجزاء على الفعل باسمه . وفي التنزيل : {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} (١) ، {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ} (۲) ...


ثانيها : أن يكون معنى استهزاء الله تعالى بهم ، تخطئته إياهم ، وتجهيله لهم ، في إقامتهم على الكفر ، وإصرارهم على الضلال ...


ثالثها : أن يكون معنى الإستهزاء المضاف إليه تعالى ، أن يستدرجهم ويهلكهم من حيث لا يعلمون . وقد روي عن ابن عباس ، أنَّه قال في معنى الإستدراج : أنهم كلما أحدثوا خطيئة ، جدد الله لهم نعمة ، وإنما سمي هذا الفعل استهزاء ، لأن ذلك في الظاهر نعمة ، والمراد به: استدراجهم إلى الهلاك والعقاب الذي استحقوه بما تقدم من كفرهم.


رابعها : إن معنى استهزائه بهم: أنه جعل لهم بما أظهروه من موافقة أهل الإيمان ظاهر أحكامهم ، من الموارثة ، والمناكحة ، والمدافنة ، وغير ذلك من الأحكام ، وإن كان قد أعدَّ لهم في الآخرة أليم العقاب ، بما أبطنوه من النفاق ، فهو سبحانه كالمستهزىء بهم ، من حيث جعل لهم أحكام المؤمنين ظاهراً ، ثم ميزهم منهم في الآخرة.


خامسها : ما روي عن ابن عباس ، أنه قال : يفتح لهم ، وهم في النار ، باب من الجنة ، فيقبلون من النار إليه مسرعين ، حتى إذا انتهوا إليه ، سُدَّ عليهم ، فيضحك المؤمنون منهم ، فلذلك قال الله ، عزَّ وجل: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} (۱). (اهـ).


ثم قال الشيخ (الطبرسي) في تفسيره «مجمع البيان» ، بعد نقله الحديث: 

«وهذه الوجوه التي ذكرناها ، يمكن أن تذكر في قوله تعالى : {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ} (۲) ، {يُخادِعُونَ اللَّـهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ} (۳).


٣- «تفسير القمي» : علي بن إبراهيم ، قال في ذيل الآية المباركة {فَلِلَّـهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً} (٤) : «المكر من الله : هو العذاب» (٥).


وأما الآية الشريفة : {إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ} (٦) ، فإنَّ الجزء الأول منها من المتشابهات التي تحتاج إلى تأويل ، لأنَّ المخادعة من فئة الإنس مع الله ، عزَّ وجل ، تستلزم المعاشرة والتعاطي المباشر معه سبحانه ، وهذا محال ، والقول به يؤدي إلى الكفر بالله العظيم ، لأنه ليس بجسم ، ولا يتجانس مع البشر.


  • فإذا هذا القسم من الآية ، يتبين معناه من خلال البيان الآتي:

«تفسير مجمع البيان»: «خداع المنافقين لله : إظهارهم الإيمان الذي حقنوا به دماءهم ، وأموالهم . وقيل معناه : يخادعون النبي (ص) كما قال : {إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّـهَ} (۱) ، فسمى مبايعة النبي (ص) ، مبايعة الله ، للإختصاص ، ولأن ذلك بأمره ، عن الحسن ، والزجاج . ومعنى خداع الله إياهم: أن يجازيهم على خداعهم ، كما قلناه في قوله: {اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (۲) . وقيل : هو حكمه بحقن دمائهم مع علمه بباطنهم . وقيل : هو أن يعطيهم الله نوراً ، يوم القيامة ، يمشون به مع المسلمين ، ثم يسلبهم ذلك النور ، ويضرب بينهم بسور ، عن الحسن ، والسَّدي ، وجماعة من المفسرين» (۳). (اهـ).


  • ومن الآيات القرآنية المتشابهة ، التي تحتاج إلى تأويل أهل البيت (ع) ، قوله تعالى:

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(١).


فالذي تحكيه الآيات الشريفة بظاهرها : أن إبراهيم (ع) اتخذ «الكوكب» إلهاً ، ثم انتقل إلى «القمر» ، ثم تركه وجعــل يعترف بألوهية «الشمس» ، ثم تركها جميعاً ، وتبرأ منها ، واعترف بألوهية الله الواحد الأحد.


ولكن الإعتقاد بظاهر الآيات ، ونسبة الشرك إلى إبراهيم (ع) ، من الإساءة إليه ، وإلى موقع النبوة والرسالة بمكان!!


وكيف ينسب الشرك إلى إبراهيم (ع) ، وهو خليل الله ، ومعلم التوحيد؟


والحال انه من الإعتقاد الصحيح القول بعصمة الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام ، من الشرك بالله ، والإنقطاع عن التوجه إليه ، وعبادته ، وهذا يستفاد من الآية الصريحة: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (۲).


وظاهر أنَّ أكبر الظلم وأعظمه ، هو الشرك بالله ، تبارك وتعالى ، كما يقول ، عزَّ وجل : {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (١) ، ويفهم من مدلولها أنَّ من ظلم في شركه بالله ، ولو لحظة واحدة ، لا يمكن أنْ يبلغ مقام النبوة والرسالة.


ولأنَّ ظاهر الآيات المذكورة في إبراهيم (ع) ، تتعارض مع آيات أُخرى ، والعقيدة الحقة ، وجب الرجوع إلى تفسير أهـل البيت (ع) ، وأخذ المعنى الصحيح للآيات منهم ، وها هو الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ، يشرح تأويل الآيات:


«عيون أخبار الرضا (ع)»: «عن علي بن محمد بن الجهم ، قال : … فقال المأمون : فأخبرني عن قول الله ، عزَّ وجل ، في حق إبراهيم (ع): {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي} 

فقال الرضا (ع) : إنَّ إبراهيم (ع) وقع على ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ، وذلك حين خرج من السّرب الذي أخفي فيه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} ، فرأى الزُّهرة ، قال : {قالَ هذا رَبِّي} على الإنكار والإستخبار {فَلَمَّا أَفَلَ} الكوكب ، {قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} ، لأن الأفول من صفات المحدث ، لا من صفات القدم . {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي} ، على الإنكار والإستخبار {فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} ، يقول : لو لم يهدني ربي ، لكنت من القوم الضالين . فلما أصبح و {رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ} من الزهرة والقمر ، على الإنكار والإستخبار ، لا على الإخبار والإقرار . {فَلَمَّا أَفَلَتْ} قال للأصناف الثلاثة ، من عبدة الزهرة ، والقمر ، والشمس: {يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . وإنما أراد إبراهيم (ع) ، بما قال ، أن يبين لهم بطلان دينهم ، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة ، والقمر ، والشمس ، وإنما تحق العبادة لخالقها ، وخالق السماوات والأرض . وكان ما احتج به على قومه ، مما ألهمه الله تعالى وأتاه ، كما قال ، عز وجل: {وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ} (۱) . (اهـ).


  • ومن الآيات المتشابهة في القرآن الكريم ، التي يحتاج ظاهرها إلى التأويل ، الآية المباركة التالية:

{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّـهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آياتِهِ وَ اللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّـهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (سورة الحج) (۲).


قال بعضهم في سبب نزول هذه الآيات: إنَّ النبي (ص) ، كان يصلي مع بعض أصحابه في (المسجد الحرام) ، بحضور جمع من المشركين ، منهم الوليد بن المغيرة المخزومي ، وجعل النبي يقرأ في صلاته ، سورة «النجم» ، وعندما بلغ في قراءته: 

{أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَ الْعُزَّى (١٩) وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى} (١)، أجرى الشيطان على لسانه كلمات من غير القرآن ، وقال : «فإنها الغرانيق العلى ، وإنَّ شفاعتهم لترتجي».


فلما سمع المشركون الذين جاؤوا لينظروا إلى صلاة النبي (ص) ، ارتفعت أصواتهم ، فرحين مستبشرين ، بأنَّ محمداً  جع عن عقيدته ، وذكر أصنامهم بالإحترام والتقديس ، ثم سجدوا بأجمعهم شكراً على ذلك ، وأخذ الوليد بن المغيرة ، وهو زعيمهم حفنة من البطحاء ، ووضعها على جبينه ، لأنَّ محمداً (ص) ، اعترف بشفاعة اللات والعُزَّى!!


في هذا الوقت نزل جبرئيل (ع) ، على النبي (ص) ، وقال: يا محمد! قرأت شيئاً لم أُنزله عليك من الله ، عزَّ وجل!!


فانقبض النبي (ص) ، أسفاً على حدوث مثل ذلك ، وضاق صدره ، عند ذلك أنزل الله عليه الآيات من سورة «الحج» تسلية وعزاء لرسوله (۲).


أنظر إلى سخافة هذا الكلام في تفسير الآيات ، وسبب نزولها!! ثم فكر في الضربة الموجعة التي أنزلها أصحاب هذا التفسير على هيكل الدين الإلهي ، حيث أنهم بتفسيرهم العدائي هذا ، أنزلوا الأنبياء والأولياء من مقامهم الشامخ المعصوم ، وجعلوهم لعبة للشيطان ، ووساوسه ، وأعطوا للوحي والرسالة صورة واهية يتلاعب بها الشيطان حين يشاء! ليخلط الآيات النازلة بالوحي ، بكلمات من عنده ، ويجريها على لسان النبي (ص)! 


والحال إنَّ الآيات القرآنية المباركة صريحة في عدم سلطة الشيطان ، وعدم نفوذه في أنبياء الله وأوليائه ، وإليك بعضها: 

١- {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ} (۱).


٢- {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} (۲).


إنَّ الآيتين الكريمتين صريحتان في عدم قدرة الشيطان وفرض سلطانه على المؤمنين العاديين ، فكيف على النبيّ (ص) ، الذي هو قائد المؤمنين ، ومعلمهم؟!


وإذا التزمنا بصحة الحديث المفتعل: إنَّ الشيطان ، أجرى تلك الكلمات على لسان النبي (ص) ، وتصرَّف فيه ، لزم أن تنطبق الآية المذكورة (۳) على النبي (ص) (معاذ الله!) ليصبح موالياً للشيطان ، ومن زمرته!! وفي هذا أقصى انحطاط العقيدة الفاسدة ، والمسلك الخطر!! لأنَّ فيه التعارض ، وعدم التماشي مع الحكمة الإلهية ، وعصمة الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، وينتج منه أَّنه لا قيمة لدين ، ولا مصداقية لنبي ، تتلاعب بهماوساوس الشيطان !!


والحال ، إنَّ القرآن الكريم يسوق كلام النبي مساق كلامه ، ويجعله في مرتبته حينما يقول: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى} (۱) . ومعها كيف يمكن أن يدَّعي أحد أنَّ الشيطان ألقى على لسان النبيّ (ص) ، كلمات ، وهو يقرأ القرآن في أثناء الصلاة ، ولا يتنبه لها النبيّ ، ومن ثم يندم على ذلك!


فعليه ، يجب علينا ، ونحن بصدد تفسير وتأويل هكذا آيات ، يتعارض ظاهرها مع العقائد المسلّمة ، أنْ نرجع إلى أهل البيت المعصومين ، عليهم الصلاة والسلام ، لنرتوي من علومهم العذبة ، ونقف على حقائق التنزيل ، ودقائق التأويل ، وبهذا الصدد ننقل إليك الحديث الآتي:


«صحيفة الأبرار»: بأسناده عن الإمام الصادق (ع):

«إنَّ رسول الله (ص) ، أصابه خصاصة ، فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له : 

عندك من طعام؟ 

قال : نعم يا رسول الله وذبح له عناقاً ، وشواه فلما أدناه منه ، تمنى رسول الله (ص) ، أن يكون معه علي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، صلوات الله وسلامه عليهم ، فجاء رجلان من رؤساء المنافقين ، ثم جاء علي (ع) ، بعدهما ، فأنزل الله ، عزَّ وجل ، في ذلك:


{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} ، ولا محدث {إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (۱) ، يعني الرجلين اللذين جاءا قبل علي (ع) ، {فَيَنْسَخُ اللَّـهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ} ، يعني لما جاء علي (ع) بعدهما ، {ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آياتِهِ} : يعني ينصر الله أمير المؤمنين (ع) ، {لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً} ، يعني الرجلين.


«فحاصل معنى الآية : إنه (ص) تمنى أن يأتيه من يحبه الله ، وهو أمير المؤمنين (ع) ، فأحضر الشيطان عند تمني النبي (ص) ، ما يكرهه الله ، ليجعل ما يلقيه فتنة للذين في قلوبهم مرض ، بأنْ سوَّل لهم الشيطان : أنَّ هذا هو ما تمناه النبي (ص) ، فيكون ذلك فتنة واختباراً من الله للناس ، فأتى بعد ذلك ما تمناه النبي (ص) ، وهو أمير المؤمنين (ع) ، فنسخ الله بذلك ما ألقاه الشيطان.


{لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} ، أي رب محمد (ص) ، يعني أنَّ علياً (ع) ، هو الحق من عند الله.


ويهدي {الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} : يعني إلى علي (ع) (۲) . (اهـ).


  • ومن الآيات المتشابهة التي تحتاج إلى تأويل صحيح ، عن طريق أهل البيت (ع) ، قوله تعالى:

{إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ} (۱) . وقوله تعالى : {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى} (۲).


فالآيتان يتعارض ظاهرهما مع الأدلة العقائدية الحقَّة ، المثبتة في محلّها ، وتحتاج إلى تأويل أهل البيت (ع) ، نذكره بعد هذه المقدمة: