إنَّ الله ، عز وجل ، ذكر هذا الكتاب السَّماوي المقدس ، بعدة أسماء ، ووصفه بمواصفات عديدة ، وكل إسم وصفه ، يلاحظ جانباً ومفهوماً ظاهرياً ، أو باطنياً منه.
وقد ورد عن النبي وأهل بيته ، عليهم الصلاة والسلام ، أنهم ذكروا للكتاب السماوي هذا أسماء كثيرة ، قد تبلغ المئة إسم ، نذكر بعض هذه الأسماء:
۱- القرآن (۱): في قوله تعالى : {الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (الرحمٰن:٢،١) . «القرآن» من مادة «قرء» ، بمعنى - ما يستحق القراءة - وفي الحقيقة إنَّ هذا الكتاب جمع التعليمات السماوية ، وضمن سعادة الدنيا والآخرة ، لمن عمل به من بني البشر ، وأي كتاب سماوي آخر غيره ، خال من هذه الخصوصيات - أصبح الكتاب الذي «يستحق القراءة - وسمي بـ «القرآن».
۲- الفرقان (۱): قوله تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} (الفرقان:١) . وجاء هذا الإسم من مادة «فرق» ، لأنه يفرق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام.
٣- البيان: قوله تعالى: {هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ} (آل عمران:١٣٨).
٤- التبيان: قال تعالى: {وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل:٨٩).
ه- المبين: قال تعالى: {تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ} (يوسف:١) .
وهذه الأسماء الثلاثة الأخيرة (البيان - التبيان - المبين) كلها مأخوذة من مادة (بيان) ، لأنه يبيّن للناس الحقائق ، والأسرار ، والعلوم ، في كل موضوع يحتاجه الناس ، ويبين الحق من الباطل.
٦- البيّنة: قوله تعالى: {فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (الأنعام:١٥٧).
إنه كذلك من مادة (بيان) ، ولكنه بمعنى (البرهان ، والحجة ، والدليل) ، وبديهي أنَّ القرآن الكريم أكبر برهان وحجة من الله ، عز وجل ، على عباده ، وأكبر دليل يميز الحق من الباطل.
٧- البشرى: قوله تعالى: {وهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ} (البقرة:٩٧).
٨- البشير: قال تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً} (فصلت:٤،٣).
والإسمان الأخيران (بشرى ، بشير) من مادة (البشارة) ، لأن القرآن الكريم يبشّر المؤمنين الصالحين بالجنة.
۹- شفاء: قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء:٨٢).
لأنَّ في القرآن الكريم ، وآياته المباركة ، شفاء لجميع الأمراض المعنوية والروحية ، بل الظاهرية والجسمية أيضاً ، والعمل به وبأحكامه يحفظ جسم الإنسان من غالب الآلام والأمراض الظاهرية ، وكذلك يحفظ روح الإنسان من الأمراض النفسية مثل الكبرياء ، والحسد ، والكفر ، والرياء ، والجهل ، والشرك ، والنفاق ، وجميع الرذائل الأخلاقية والمعنوية ، وإلى هذا يشير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بقوله:
«فإنَّ فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق ، والغيّ والضلال …» (۱).
۱۰- حبل الله: قوله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا} (آل عمران :١٠٣).
لأنَّ القرآن أحكم رابطة ، وواسطة ، بين الله ، عز وجل ، وعباده ، والتمسك به يحفظهم من الإنحراف والإختلاف ، ومن المهالك الأخلاقية ، والاجتماعية ، والفساد ، ويوثق رابطة الروح الإنسانية مع عالم ما وراء الطبيعة ، يعني عالم اللطائف والحقائق.
ويستفاد من مضمون مجموعة من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت (ع) ، أن المقصود من (حبل الله) ، الولاية المطلقة لأميــر المؤمنين ، والأئمة المعصومين (ع) ، الذين هم الواسطة بين الله ، عز وجل ، وبين عباده ، لأنهم السبيل الأعظم ، والواسطة الكبرى ، بين الخالق ، تبارك وتعالى ، والمخلوقات ، وأنَّ الله أفاض علمه ، ورحمته ، وحكمته ، على عباده ، بسببهم ، وبواسطتهم.
۱۱- كلام الله: قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّـه} (التوبة : ٦) لأن القرآن كلام الله ، ولم يتدخل غيره في تأليفه.
۱۲- النعمة: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى:١١).
لا شك أن الله ، عز وجل ، أنعم علي حبيبه الرسول الأكرم (ص) ، جميع نعمه الظاهرية والباطنية ، وإن من أعظم النعم التي أنعمها عليه ، وعلى أُمته ، نعمة «القرآن الكريم» ، ولذلك روي عن ابن عباس أن المقصود هو القرآن المجيد.
وفي الواقع أنه النعمة المعنوية والروحية التي أنعم بها الله ، عز وجل ، على روح الإنسان وعقله.
وفي الروايات المتضافرة ، والأحاديث المتواترة ، عن النبي (ص) وأهل بيته (ع) ، أن المقصود من كلمة «النعمة» في القرآن الشريف ، وتأويلها ، الولاية المطلقة لصاحب الولاية الكلية ، أمير المؤمنين ، عليه الصلاة والسلام ، وتفصيل ذلك مذكور في محله ، بما لا مجال لذكره (۱).
۱۳- الكتاب: قوله تعالى: {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:٢) . الكتاب : إسم لكل مكتوب ، وما يكتب ، وسُمّي القرآن الكريم بهذا الإسم لأنه كتب في اللوح المحفوظ أولاً ، ثم في البيت المعمور ثانياً ، وفي صدور المسلمين ثالثاً ، وثم في المصاحف رابعاً.
وكذلك «المكتوب» بمعنى «المجموع» ، سُمّي بـه القـرآن لأنه جمع فيه علم الأولين والآخرين ، وجميع الأحكام ، وما كان ، وما يكون إلى يوم القيامة.
١٤- النور : قال تعالى : {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} (الأعراف : ١٧٠) . لأنَّ حقانية القرآن الكريم تزهر كالنور على جميع عقلاء الدنيا ، وأصحاب العلم والبصائر أولاً ، وثانياً : إنَّ مثل هذا القرآن مثل مشعل النور يستضيء به المسلمون لدفع ظلمات الجهل والحيرة.
وقد ذكروا للقرآن أسماء كثيرة أُخرى ، نذكر بعضها على نحو الإختصار: الآيات ، المبارك ، البرهان ، البصائر ، التبصرة ، المثاني ، الحديث ، أحسن الحديث ، الحق ، حق اليقين ، الحكم ، الحكمة ، الحكيم ، المحكم ، الذكر ، الذكرى ، التذكرة ، الرحمة ، الروح ، الصدق ، المصدق ، الصراط المستقيم ، العظيم ، العلي ، الفصل ، التفصيل ، المفصل ، القصص ، القول ، القيم ، الكريم ، الكوثر ، المجيد، النذير ، التنزيل ، المنير ، الهدى ، الهادي ، المهيمن ، الوحي ، الموعظة.
ولا يخفى أنَّ غالب هذه الأسماء في الواقع ، أوصاف وألقاب القرآن ، وجاءت لتبين كل منها شرف وعظمة القرآن ، في مناسبات خاصة.