فلما فشل الحاسدون والمعادون لأهل البيت (عليهم السلام) ، في الوقيعة على علي بن يقطين ، أخذوا يتصيدون الفرصة للوقيعة به ، ومن الطبيعي في مثل ابن يقطين وزيراً مقرباً للبلاط الحكومي ومنصب هام ، يكون نظراً لاستخبارات الدولة والحاسدين ، علَّهم يقعون على هفوة أو زلل :
ففي يوم من الأيام أُهدي لهارون العباسي هدايا من ملك الروم ، فأهدى هارون الهدايا إلى وزيره المفضل علي بن يقطين ، وبمجرد أخذ علي بن يقطين الهدايا أرسلها للإمام الكاظم (عليه السلام) ، فأخبر الجواسيس والحاسدون هارون أن الهدايا أرسلها إلى إمامه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فإن كنت مكذباً لنا فأمره بإحضار الهدايا فوراً ، كما روي عن ابن سنان قال :
حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها ، وكان في جملتها دراعة (١) خز سوداء ، من لباس الملوك ، مثقلة بالذهب ، فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ، وأنفذ في جملتها تلك الدراعة ، وأضاف إليها مالاً كان أعده له ، على رسم له في ما يحمله إليه من خمس ماله .
فلما وصل ذلك إلى أبي الحسن قبل المال والثياب ، وردّ الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين ، وكتب إليه أن احتفظ بها ، ولا تخرجها عن يدك ، فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه ، فارتاب علي ابن يقطين بردها عليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، فاحتفظ بالدراعة .
فلما كان بعد أيام ، تغير علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، ويقف على ما يحمله إليه في كل وقت ، من مال وثياب وألطاف وغير ذلك ، فسعى به إلى الرشيد فقال :
إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر ، ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة ، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا .
فاستشاط الرشيد لذلك ، وغضب غضباً ، وقال لأكشفن عن هذه الحال ، فإن كان الأمر كما يقول أزهقت نفسه وأنفذ في الوقت بإحضار علي بن يقطين ، فلما مثل بين يديه ، قال له :
ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها ؟
قال : هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم ، فيه طيب ، وقد احتفظت بها ، وقلّما أصبحت إلا وفتحت السفط ، فنظرت إليها تبركاً بها ، وقبلتها ، ورددتها إلى موضعها ، وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك .
فقال : أحضرها الساعة !
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، واستدعى بعض خدمه ،
وقال له : امض إلى البيت الفلاني من الدار ، فخذ مفتاحه من خازنتي ، فافتحه وافتح الصندوق الفلاني ، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه ، فلم يلبث الغلام أن جاءه بالسفط مختوماً ، فوضع بين يدي الرشيد ، فأمر بكسر ختمه وفتحه .
فلما فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها ، مطوية مدفونة في الطيب ، فسكن الرشيد من غضبه ، ثم قال لعلي بن يقطين :
ارددها إلى مكانها ، وانصرف راشداً فلن أصدق عليك بعدها ساعياً ، وأمر أن يتبع بجائزة سنية ، وتقدم بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحواً من خمسمائة سوط ، فمات في ذلك (١) .
لولا عين الإمام (عليه السلام) ترعانا ، لما بقي موحد على الكون ، لولا وجود الحجة لساخت الأرض بأهلها.