قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في ترجمة أحمد ابن الإمام موسى (عليهما السلام) :
كان كريماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن موسى يحبه ويقدمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة ، ويقال إنه (رضي الله عنه) أعتق ألف مملوك ، قال : أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى قال : حدثنا جدي قال : سمعت إسماعيل بن موسى (عليه السلام) ، يقول :
(خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة فكنا في ذلك المكان ، فكان مع أحمد بن موسى عشرون رجلاً من خدام مع أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا معه ، وإن جلس أحمد جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ببصره ما يغفل عنه ، فما انقلبنا حتى انشجَّ أحمد بن موسى من بيننا) (۲) .
وقد حكي عن كتاب لب الأنساب أن احمد هذا ، كتب بيده المباركة ألف مصحف ، وكانت أمه من الخواتين المحترمات ، تدعى بأم أحمد ، وكان الإمام موسى (عليه السلام) شديد التلطف بها ، ولما توجه من المدينة إلى بغداد ، أودعها ودائع الإمامة ، وقال لها :
كل من جاءك وطالب منك هذه الأمانة ، في أي وقت من الأوقات ، فاعلمي بأني قد استشهدت ، وأنه هو الخليفة من بعدي ، والإمام المفترض الطاعة عليك وعلى سائر الناس ، وأمر ابنه الرضا (عليه السلام) بحفظ الدار .
روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن مسافر قال :
(أمر أبو إبراهيم (عليه السلام) - حين أخرج به - أبا الحسن (عليه السلام) أن ينام على بابه في كل ليلة أبداً ، ما كان حياً إلى أن يأتيه خبره،
قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز ، ثم يأتي بعد العشاء فينام ، فإذا أصبح انصرف إلى منزله .
قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين ، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا ، وفرش له فلم يأتِ كما كان يأتي ، فاستوحش العيال وذعروا ودخلنا أمر عظيم من إبطائه ، فلما كان من الغد ، أتى الدار ودخل إلى العيال ، وقصد إلى أم أحمد ، فقال لها :
هاتي التي أودعك أبي،
فصرخت ولطمت وجهها وشقّت جيبها ، وقالت : مات والله سيدي،
فكفَّها، وقال لها لا تكلمي بشيء ولا تظهريه ، حتى يجيء الخبر إلى الوالي،
فأخرجت إليه سفطاً ، وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره، وقالت :
إنه قال لي في ما بيني وبينه -وكانت أثيرة عنده- :
احتفظي بهذه الوديعة عندك ، لا تطلعي عليها أحداً حتى أموت ، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك ، فادفعيها إليه ، واعلمي أني قد متّ،
وقد جاءني والله علامة سيدي ، فقبض ذلك منها وأمرهم بالإمساك جميعاً إلى أن ورد الخبر ، وانصرف فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل ، فما لبثنا إلا أياماً يسيرة حتى جاءت الخريطة بنعيه ، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت ، فإذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبو الحسن (عليه السلام) ما فعل ، من تخلفه عن المبيت ، وقبضه لما قبض) (۱).
فلما شاع خبر وفاة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في المدينة ، اجتمع أهلها على باب أم أحمد ، وسار أحمد معهم إلى المسجد ، ولما كان عليه من الجلالة ، ووفور العبادة ونشر الشرائع ، وظهور الكرامات ، ظنوا به أنه الخليفة والإمام بعد أبيه ، فبايعوه بالإمامة ، فأخذ منهم البيعة ، ثم صعد المنبر وأنشأ خطبة في نهاية البلاغة ، وكمال الفصاحة ، ثم قال :
أيها الناس كما أنكم جميعاً في بيعتي ، فإني في بيعة أخي علي بن موسى الرضا ، واعلموا أنه الإمام والخليفة من بعد أبي ، وهو وليّ الله ، والفرض علي وعليكم من الله ورسوله طاعته بكل ما يأمرنا .
فكل من كان حاضراً خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد ، يقدمهم أحمد بن موسى (عليه السلام) ، وحضروا باب دار الرضا (عليه السلام) فجددوا معه البيعة ، فدعا له الرضا (عليه السلام) ، وكان في خدمة أخيه مدة من الزمان ، إلى أن أرسل المأمون إلى الرضا (عليه السلام) وأشخصه إلى خراسان ، وعقد له خلافة العهد .
وهو المدفون بشيراز المعروف بسيد السادات ، ويعرف عند أهل شيراز بشاه چراغ ، وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا (عليه السلام) ، فلما سمع به قتلغ خان ، عامل المأمون على شيراز ، توجه إليه خارج البلد في مكان يقال له : خان زینان ، على مسافة ثمانية فراسخ من شيراز ، فتلاقي الفريقان ، ووقع الحرب بينهما ، فنادى رجل من أصحاب قتلغ إن كان تريدون ثمة الوصول إلى الرضا فقد مات ، فحينما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرقوا عنه ، ولم يبقَ معه إلا بعض عشيرته وإخوته ، فلما لم يتيسر له الرجوع توجه نحو شیراز ، فاتبعه المخالفون وقتلوه حيث مرقده هناك .
وكتب بعض في ترجمته أنه لما دخل شيراز اختفى في زاوية ، واشتغل بعبادة ربه ، حتى توفي لأجَله ، ولم يطلع على مرقده أحد إلى زمان الأمير مقرب الدين مسعود بن بدر الدين ، الذي كان من الوزراء المقربين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكي ، فإنه لما عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن ، ظهر له قبر وجسد صحيح غير متغير وفي أصبعه خاتم منقوش فيه «العزة لله . أحمد بن موسى» فشرحوا الحال إلى أبي بكر ، فبنى عليه قبة ، وبعد مدة من السنين آذنت بالانهدام ، فجددت تعميرها ، الملكة تاشى خواتون أم السلطان الشيخ أبي إسحاق ابن السلطان محمود ، وبنت عليه قبة عالية ، وإلى جنب ذلك مدرسة ، وجعلت قبرها في جواره ، وتاريخه يقرب من سنة ٧٥٠ هجرية . وفي سنة ١٢٤٣ جعل السلطان فتح علي شاه القاجاري عليه مشبكاً من الفضة الخالصة (١) .
عند البعض يحصل لبس بين مصيبة السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم ، وبين أحمد ابنه (عليهم السلام) ، فالبعض يقول إن السيدة فاطمة المعصومة لما أتت قم سمعت بموت أخيها الرضا (عليه السلام) ، بينما الذي سمع هو أخوها السيد أحمد ، رزقنا الله في الدنيا زيارتهم جميعاً في القريب العاجل ، ورزقنا شفاعتهم في الآخرة .