قاعدة فقهية يرجع إليها جميع ما يحتاج إليه الخلق

 قاعدة فقهية يرجع إليها جميع ما يحتاج إليه الخلق

من معاجز المعصومين وفضائلهم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أن علومهم حاضرة لا تحتاج إلى نظر وروية ، ولا عجب لأنهم ورثة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، روى في البصائر قال : 

حدثنا محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي بن فضال عن حماد بن عثمان عن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول :

(قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أعلم كتاب الله ، وفيه بدء الخلق ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر الجنة وخبر النار ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، أعلم ذلك كأنما أنظر إلى كفي ، إن الله يقول فيه : {تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (١) .


فالإمام موسى الكاظم والمعصومون (عليهم السلام) ، كل شيء حاضر عندهم ، ففي هذه الأسطر القليلة ، اختصر الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) جميع الشرائع والسنن ، بل جميع ما يحتاج إليه الخلق إلى أن تقوم الساعة ، كما روي عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) في تفسير كلمة الصمد 

(لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزّ وجلّ حملة ، لنشرت التوحيد ، والإسلام ، والإيمان والدين ، والشرائع من الصمد) (۲) .


إليكم وإلّا لا تُشدّ الركائب 

ومنكم وإلّا لا تنال الرغائب 

وعنكم وإلّا فالحديث مزخرف 

وفيكم وإلّا فـالـمـحـدِّث كاذب 


سأل هارون العباسي الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، أن يكتب له قاعدة ، يرجع إليها في كل شيء من الأحكام التكليفية ، قال هارون :

أحببت أن تكتب لي كلاماً موجزاً له أصول وفروع ، يفهم تفسيره ، ويكون ذلك سماعك من أبي عبد الله (عليه السلام) ، 

قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) : نعم وعلى عيني يا أمير المؤمنين ، 

قال : فإذا فرغت فارفع حوائجك وقام ، ووكل بي من يحفظني ، وبعث إليّ في كل يوم بمائة سرية ، 


فكتبت :

(بسم الله الرحمن الرحيم أمور الدنيا أمران : أمر لا اختلاف فيه ، وهو إجماع الأُمة على الضرورة التي يضطرون إليها ، والأخبار المجتمع عليها المعروض عليها شبهة ، والمستنبط منها كل حادثة ، وأمر يحتمل الشك والإنكار ، وسبيل استنصاح أهله الحجة عليه ، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله ، أو سنّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، ضاق على من استوضح تلك الحجة ردُّها ، ووجب عليه قبولها ، والإقرار والديانة بها ، وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله ، أو سنّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، وسع خاصَّ الأُمة وعامَّها الشك فيه ، والإنكار له ، كذلك ، هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه ، إلى أرش الخدش فما دونه ، فهذا المعروض الذي يُعرض عليه أمر الدين ، فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عنك ضوؤه نفيته ، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ، ونعم الوكيل .


فأخبرت الموكل بي ، أني قد فرغت من حاجته ، 

فأخبره فخرج ، وعرضت عليه فقال : 

أحسنت هو كلام موجز جامع ، فارفع حوائجك يا موسى 

فقلت : يا أمير المؤمنين أول حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى أهلي ، فإني تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبداً ، 

فقال : مأذون لك ازدد؟ 

فقلت : يبقي الله أمير المؤمنين لنا معاشر بني عمه 

فقال : ازدد؟ 

فقلت : عليَّ عيال كثير ، وأعيننا بعد الله ممدودة إلى فضل أمير المؤمنين وعادته ، فأمر لي بمائة ألف درهم ، وكسوة ، وحملني وردّني إلى أهلي مكرماً) (۱) .


هذه القاعدة علماؤنا يجعلونها قاعدة عامة ، يرجعون فيها لأغلب الأحكام ، التي لم تصدر في الكتاب والسنة المطهرة .