الكافي : عن العدة ، عن سهل ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد ابن منصور الخزاعي ، عن علي بن سويد . ومحمد بن يحيى ، عن محمد ابن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع ، عن علي بن سويد ، والحسن بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن منصور ، عن علي بن سويد قال:
كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في الحبس كتاباً ، أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة ، فاحتبس الجواب علي أشهراً ثم أجابني بجواب هذه نسخته:
﷽
الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة ، والأديان المتضادة ، فمصيب ومخطئ ، وضالّ ومهتدٍ ، وسميع وأصمّ ، وبصير وأعمى حيران ، فالحمد لله الذي عرَّف وصف دينه بمحمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم).
أما بعد
فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة ، وحفظ مودة ما استرعاك من دينه ، وما ألهمك من رشدك ، وبصَّرك من أمر دينك ، بتفضيلك إياهم وبردك الأمور إليهم ، كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية ، ومن كتمانها في سعة ، فلما انقضى سلطان الجبابرة ، وجاء سلطان ذي السلطان العظيم ، بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم ، رأيت أن أُفسر لك ما سألتني عنه ، مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قِبل جهالتهم ، فاتقِ الله عزَّ ذكره ، وخصَّ بذلك الأمر أهله ، واحذر أن تكون سبب بليّة على الأوصياء ، أو حارشاً(۱) عليهم بإفشاء ما استودعتك ، وإظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء الله .
إن أول ما أُنهي إليك أني أنعى إليك نفسي في لياليَّ هذه ، غير جازع ولا نادم ، ولا شاكّ في ما هو كائن ، مما قد قضى الله عزّ وجلّ وحتم ، فاستمسك بعروة الدين -آل محمد- ، والعروة الوثقى : الوصيّ بعد الوصيّ ، والمسالمة لهم ، والرضا بما قالوا ، ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ، ولا تحبن دينهم ، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، وتدري ما خانوا أماناتهم ، ائتُمنوا على كتاب الله فحرَّفوه وبدَّلوه ، ودلّوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم ، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
وسألت عن رجلين اغتصبا رجلاً مالاً كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله ، فلما اغتصباه ذلك ، لم يرضيا حيث غصباه حتى حمَّلاه إياه كرهاً ، فوق رقبته إلى منازلهما ، فلما أحرزاه توليا إنفاقه ، أيبلغان بذلك كفراً؟
ولعمري لقد نافقا قبل ذلك ، وردّا على الله عزّ وجلّ كلامه ، وهزئا برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، والله ما دخل قلب أحد منهما شيء من الإيمان منذ خروجهما من حالتيهما ، وما ازداد إلا شكاً ، كانا خداعين ، مرتابين ، منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب ، إلى محل الخزي في دار المقام.
وسألت عمن حضر ذلك الرجل ، وهو يغصب ماله ، ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر ، فأولئك أهل الردة الأولى من هذه الأمة ، فعليهم لعنة الله ، والملائكة والناس أجمعين.
وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه:
ماضٍ وغابر وحادث ، فأما الماضي فمفسَّر ، وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبيّ بعد نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وسألت عن أمهات أولادهم ، وعن نكاحهم وعن طلاقهم ، فأما أمهات أولادهم فهن عواهر إلى يوم القيامة نكاح بغير وليّ ، وطلاق بغير عدة ، وأما من دخل في دعوتنا ، فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكّه.
وسألت عن الزكاة فيهم ، فما كان من الزكاة فأنتم أحق به ، لأنّا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم ، وأين كان.
وسألت عن الضعفاء ، فالضعيف من لم ترفع إليه حجة ، ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.
وسألت عن الشهادات لهم ، فأقم الشهادة لله عزّ وجلّ ولو على نفسك [أ] والوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم ، فإن خفت على أخيك ضيماً فلا ، وادعُ إلى شرائط الله عزَّ ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ، ولا تحصن بحصن رياء ، ووالِ آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا:
«هذا باطل» وإن كنت تعرف منا خلافه ، فإنك لا تدري لِمَ قلناه ، وعلى أيّ وجه وصفناه ، آمن بما أُخبرك ، ولا تفشِ ما استكتمناك من خبرك ، إن من واجب حق أخيك ، أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به ، لأمر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخلِّ بينه وبين عدوه من الناس ، وإن كان أقرب إليه منك ، وعِدْه في مرضه ، ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الأذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا الفحش ولا الأمر به ، فإذا رأيت المشوَّه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك ، ولشيعتك المؤمنين ، فإذا انكسفت الشمس ، فارفع بصرك إلى السماء ، وانظر ما فعل الله عزّ وجلّ بالمجرمين ، فقد فسرت لك جملاً مجملاً وصلى الله على محمد وآله الأخيار (۱).