أمالي الصدوق : عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن جعفر بن محمد ابن مالك ، عن سعيد بن عمرو ، عن إسماعيل بن بشر بن عمار قال :
كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) : عظني وأوجز ،
فكتب إليه : ما من شيء تراه عينك إلا وفيه موعظة (٥) .
وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني:
١- قال (عليه السلام) : ينبغي لمن عقل عن الله ، أن لا يستبطئه في رزقه ، ولا يتهمه في قضائه.
٢- وقال : سألته عن اليقين ؟ فقال (عليه السلام) : يتوكل على الله ، ويسلم لله ، ويرضى بقضاء الله ، ويفوض إلى الله .
٣- وقال عبد الله بن يحيى : كتبت إليه في دعاء «الحمد لله منتهى علمه» فكتب (عليه السلام) : لا تقولن منتهى علمه ، فإنه ليس لعلمه منتهى ، ولكن قل : منتهى رضاه .
٤- وسأله رجل عن الجواد فقال (عليه السلام) : إن لكلامك وجهين ، فإن كنت تسأل عن المخلوقين ، فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لأنه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك ، وإن منعك منعك ما ليس لك .
ه - وقال لبعض شيعته : أيْ فلان! اتَّقِ الله وقل الحق ، وإن كان فيه هلاكك ، فإن فيه نجاتك ، أيْ فلان! اتَّقِ الله ودع الباطل ، وإن كان فيه نجاتك ، فإن فيه هلاكك .
٦ - وقال له وكيله : والله ما خنتك . فقال (عليه السلام) له : خيانتك وتضييعك عليَّ مالي سواء ، والخيانة شرهما عليك .
٧- وقال (عليه السلام) : إياك أن تمنع في طاعة الله ، فتنفق مثليه في معصية الله .
٨- وقال (عليه السلام) : المؤمن مثل كفَّتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه ، زيد في بلائه .
۹ - وقال (عليه السلام) عند قبر حضره : إنَّ شيئاً هذا آخره ، لحقيق أن يزهد في أوله ، وإنَّ شيئاً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره .
١٠ - وقال (عليه السلام) : من تكلم في الله هلك ، ومن طلب الرئاسة هلك ، ومن دخله العجب هلك.
۱۱ - وقال (عليه السلام) : اشتدت مؤونة الدنيا والدين ؛ فأما مؤونة الدنيا ، فإنك لا تمد يدك إلى شيء منها ، إلا وجدت فاجراً قد سبقك إليه ، وأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد أعواناً يعينونك عليه
۱۲ - وقال (عليه السلام) : أربعة من الوسواس : أكل الطين ، وفتّ الطين ، وتقليم الأظفار بالأسنان ، وأكل اللحية
وثلاث يجلين البصر : النظر إلى الخضرة ، والنظر إلى الماء الجاري ، والنظر إلى الوجه الحسن
۱۳ - وقال (عليه السلام) : ليس حسن الجوار كفّ الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى
١٤ ـ وقال (عليه السلام) : لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبقِ منها ، فإن ذهابها ذهاب الحياء
١٥ - وقال (عليه السلام) لبعض ولده : يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها ، وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها ، وعليك بالجد ، ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته ، فإن الله لا يُعبد حق عبادته ، وإياك والمزاح ، فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروءتك، وإياك والضجر والكسل ، فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة
١٦ـ وقال (عليه السلام) : إذا كان الجور أغلب من الحق ، لم يحلّ لأحد أن يظن بأحد خيراً ، حتى يعرف ذلك منه
١٧- وقال (عليه السلام) : ليس القبلة على الفم إلا للزوجة والولد الصغير
۱۸ـ وقال (عليه السلام) : اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات ، الذين يعرِّفونكم عيوبكم ، ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات .
لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل ، ومن حدثها بطول العمر يحرص ، اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال ، وما لا يثلم المروءة وما لا سرف فيه ، واستعينوا بذلك على أمور الدين ، فإنه روي «ليس منا من ترك دنياه لدينه ، أو ترك دينه لدنياه» .
۱۹ـ وقال (عليه السلام) : تفقهوا في دين الله ، فإن الفقه مفتاح البصيرة ، وتمام العبادة ، والسبب إلى المنازل الرفيعة ، والرتب الجليلة في الدين والدنيا ، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ، ومن لم يتفقه في دينه لم يرضَ الله له عملاً
۲۰ - وقال (عليه السلام) لعلي بن يقطين : كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان
۲۱ - وقال (عليه السلام) : كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدّون
۲۲ - وقال (عليه السلام) : إذا كان الإمام عادلاً كان له الأجر وعليك الشكر . وإذا كان جائراً كان عليه الوزر وعليك الصبر.
۲۳ - وقال أبو حنيفة : حججت في أيام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فلما أتيت المدينة دخلت داره ، فجلست في الدهليز أنتظر إذنه ، إذ خرج صبيّ يدرج ،
فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟
قال : على رسلك ، ثم جلس مستنداً إلى الحائط ، ثم قال : توَّق شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد ، وقارعة الطريق ، وتوارَ خلف جدار ، وشِلْ ثوبك ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، وضع حيث شئت ، فأعجبني ما سمعت من الصبي ، فقلت له : ما اسمك ؟ فقال : أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
فقلت له : يا غلام ممن المعصية ؟ فقال (عليه السلام) إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث : إما أن تكون من الله - وليست منه ـ فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما لا يرتكب ، وإما أن تكون منه ومن العبد - وليست كذلك ـ فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإما أن تكون من العبد - وهي منه - فإن عفا فبكرمه وجوده ، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته ، قال أبو حنيفة : فانصرفت ولم ألقَ أبا عبد الله (عليه السلام) واستغنيت بما سمعت .
٢٤- وقال له أبو أحمد الخراساني : الكفر أقدم أم الشرك ؟ فقال (عليه السلام) له : ما لك ولهذا ، ما عهدي بك تكلم الناس . قلت : أمرني هشام بن الحكم أن أسألك . فقال : قل له : الكفر أقدم ، أول من كفر إبليس {أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} (١) والكفر شيء واحد ، والشرك يثبت واحداً ، ويشرك معه غيره .
٢٥- ورأى رجلان يتسابان ، فقال (عليه السلام) : البادي أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتدِ المظلوم
٢٦ ـ وقال (عليه السلام) : ينادي منادٍ يوم القيامة : ألا من كان له على الله أجر فليقم ، فلا يقوم إلا من عفا وأصلح فأجره على الله
۲۷- وقال (عليه السلام) : السخي الحسن الخلق في كنف الله ، لا يتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة ، وما بعث الله نبيّاً إلا سخيّاً ، وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى
۲۸- وقال السندي بن شاهك - وكان الذي وكله الرشيد بحبس موسى (عليه السلام) ـ لما حضرته الوفاة : دعني أُكفنك . فقال (عليه السلام) : إنّا أهل بيت ، حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا
۲۹- وقال (عليه السلام) الفضل بن يونس : أبلغ خيراً وقل خيراً ، ولا تكنوإمّعة ، قلت : وما الإمّعة ؟ قال : لا تقل : أنا مع الناس ، وأنا كواحد من الناس . إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «يا أيها الناس إنما هما نجدان(۲) : نجد خير ، ونجد شر ، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير»
٣٠- وروي أنه مر برجل من أهل السواد(۳) ، دميم المنظر ، فسلَّم عليه ، ونزل عنده ، وحادثه طويلاً ، ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له ، فقيل له : يابن رسول الله أتنزل إلى هذا ، ثم تسأله عن حوائجه ، وهو إليك أحوج؟ فقال (عليه السلام) : عبد من عبيد الله ، وأخ في كتاب الله ، وجار في بلاد الله ، يجمعنا وإياه خير الآباء آدم (عليه السلام) ، وأفضل الأديان الإسلام ، ولعل الدهر يردّ من حاجاتنا إليه ، فيرانا ـ بعد الزهو عليه - متواضعين بين يديه . ثم قال (عليه السلام) :
نواصل من لا يستحق وصالنا
مخافة أن نبقى بغير صديق
٣١- وقال (عليه السلام) : لا تصلح المسألة إلا في ثلاثة : في دم منقطع ، أو غرم مثقل ، أو حاجة مدقعة
٣٢ - وقال (عليه السلام) : عونك للضعيف من أفضل الصدقة
٣٣- وقال (عليه السلام) : تعجب الجاهل من العاقل ، أكثر من تعجب العاقل من الجاهل
٣٤- وقال (عليه السلام) : المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنتان
٣٥- وقال (عليه السلام) : يعرف شدة الجور ، من حکم به عليه (١)
وروي عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال : صلاة النوافل قربان إلى الله لكل مؤمن ، والحج جهاد كل ضعيف ، ولكل شيء زكاة وزكاة الجسد صيام النوافل ، وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ، ومن دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كمن رمى بسهم بلا وتر ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ، وما عال امرؤ اقتصد ، والتدبير نصف العيش ، والتودد إلى الناس نصف العقل ، وكثرة الهم يورث الهرم ، والعجلة هي الخرق ، وقلة العيال أحد اليسارين(۱) ، ومن أحزن والديه فقد عقَّهما ، ومن ضرب بيده على فخذه ، أو ضرب بيده الواحدة على الأُخرى عند المصيبة فقد حبط أجره ، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها ، إلا بالصبر والاسترجاع عند الصدمة ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي دين أو حسب ، والله ينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذَّر وأسرف زالت عنه النعمة ، وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ، وإذا أراد الله بالذّرة شراً ، أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير ، والصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلا بثلاثة أشياء : تصغيرها وسترها وتعجيلها ، فمن صغَّر الصنيعة عند المؤمن فقد عظَّم أخاه ، ومن عظَّم الصنيعة عنده فقد صغَّر أخاه ، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله ، ومن عجل ما وعد فقد هنَّأ العطية (٢) .
وفي كشف الغمة : قال الآبي في كتاب نثر الدرر : سمع موسى (عليه السلام) رجلاً يتمنى الموت فقال له : هل بينك وبين الله قرابة يحاميك لها؟ قال : لا ، قال : فهل لك حسنات قدمتها تزيد على سيئاتك؟ قال : لا ، قال : فأنت إذاً تتمنى هلاك الأبد .
وقال (عليه السلام) : من استوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان ، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة .
وقال ابن حمدون في تذكرته : قال موسى بن جعفر (عليه السلام) : وجدت علم الناس في أربع : أولها أن تعرف ربَّك ، والثانية أن تعرف ما صنع بك ، والثالثة أن تعرف ما أراد منك ، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك .
معنى هذه الأربع : الأولى وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف ، الثانية: معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر والعبادة
الثالثة : أن تعرف ما أراده منك في ما أوجبه عليك وندبك إلى فعله ، لتفعله على الحد الذي أراده منك ، فتستحق بذلك الثواب
والرابعة أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه (۱) .