فالإمام موسى الكاظم كباقي الأئمة (عليه السلام) ، لا يخالفون إرادة الله تعالى في جميع أحوالهم ، وكيف يخالفون مشيئة الله تعالى، وهم حملة المشيئة ، كما روى الشيخ الطوسي في الغيبة قال الإمام الحجة أرواحنا فداه في مقالة المفوِّضة :
(كذبوا ، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله ، فإذا شئنا شاء الله، والله يقول {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} (۱)) (۲) .
فالإمام الكاظم (عليه السلام) تارة يصبر ويسلِّم للسجن ، وتارة تقتضي إرادة الله أن يدعو (عليه السلام) ويخرج ، للدلالة على أن صبر الإمام (عليه السلام) ليس لعجز ، إنما هو امتثال لأمر الله تعالى ، لأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، كما روى في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) :
الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن صالح قال : حدثني حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال :
(كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواريِّ ، فلما كان في نصف الليل ، سمعت حركة باب المقصورة ، فراعني ذلك ،
فقالت الجارية : لعل هذا من الريح ،
فلم يمضِ إلا يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح ، وإذا مسرور الكبير قد دخل علي،
فقال لي : أجب الأمير ، ولم يسلِّم علي.
فيئست من نفسي وقلت : هذا مسرور ، ودخل إليّ بلا إذن ولم يسلِّم ، ما هو إلا القتل ، وكنت جنباً ، فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتى أغتسل ،
فقالت لي الجارية لمَّا رأت تحيُّري وتبلُّدي : ثق بالله عزّ وجلّ وانهض ،
فنهضت ، ولبست ثيابي ، وخرجت معه حتى أتيت الدار ، فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده ، فرد عليّ السلام فسقطت،
فقال : تداخلك رعب؟
قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، فتركني ساعة حتى سكنت ،
ثم قال لي : صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر بن محمد ، وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس ، خلع ، واحمله على ثلاثة مراكب ، وخيِّره بين المقام معنا ، أو الرحيل عنا إلى أي بلد أراد وأحب .
فقلت : يا أمير المؤمنين تأمر بإطلاق موسى بن جعفر؟
قال : نعم فكررت ذلك عليه ثلاث مرات،
فقال لي : نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد؟
فقلت : يا أمير المؤمنين وما العهد ؟
قال : بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ، ما رأيت من السودان أعظم منه ، فقعد على صدري ، وقبض على حلقي ،
وقال لي : حبست موسى بن جعفر ظالماً له؟
فقلت : فأنا أُطلقه وأهب له ، وأخلع عليه ، فأخذ عليّ عهد الله عزّ وجلّ وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي تخرج .
فخرجت من عنده ، ووافيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو في حبسه ، فرأيته قائماً يصلي ، فجلست حتى سلم ، ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين ، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره ، وأني قد أحضرت ما وصله به .
فقال : إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله؟
فقلت : لا وحق جدك رسول الله ما أُمرت إلاّ بهذا !
فقال : لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال ، إذ كانت فيه حقوق الأُمة،
فقلت: ناشدتك بالله أن لا تردّه فيغتاظ،
فقال : اعمل به ما أحببت،
وأخذت بيده (عليه السلام) وأخرجته من السجن .
ثم قلت له : يابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل ، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ، ولما أجراه الله عزّ وجلّ على يدي من هذا الأمر
فقال (عليه السلام) : رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الأربعاء في النوم،
فقال لي : يا موسى أنت محبوس مظلوم؟
فقلت : نعم يا رسول الله محبوس مظلوم ،
فكرر عليّ ذلك ثلاثاً ثم قال : {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ} (١) أصبح غداً صائماً ، وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فإذا كان وقت الإفطار فصلِّ اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ في كل ركعة الحمد واثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد ، فإذا صليت منها أربع ركعات ، فاسجد ثم قل :
«يا سابق الفوت ، یا سامع كل صوت ، یا محيي العظام وهي رميم بعد الموت ، أسألك باسمك العظيم الأعظم ، أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه» ،
ففعلت فكان الذي رأيت) (٢) .
فهذا الدعاء لخروج الإمام الكاظم (عليه السلام) من السجن لأمرين : أولاً امتثال أمر الله تعالى ، حيث أمرنا بالدعاء ، وتكفَّل لنا بالإجابة ، وثانياً لتعليم الخلق إذا مروا بهذه الظروف ، أن يدعوا الله سبحانه بهذا الدعاء.