قصة حميد بن قحطبة وزير الرشيد المفضل

قصة حميد بن قحطبة وزير الرشيد المفضل

في هذه القصة المأساوية ، تدرك كيف هي شناعة وقساوة الدولة العباسية على ذريّة أهل البيت (عليه السلام) ، التي لا تُصنع حتى بالمجرمين القتلة ، وهذه الحادثة رواها أكثر المؤرخين على اختلاف مذاهبهم ، واستبشعوا من عملهم الذي لا يمتّ إلى الإسلام ولا الإنسانية بأي صلة ، 


كما روي عن : أحمد بن محمد بن الحسين البزاز ، عن أبي طاهر الشاماتي ، عن بشر بن محمد بن بشر ، عن أحمد بن سهل بن ماهان ، عن عبيد الله البزاز النيسابوري - وكان مسنّاً ـ قال : 

كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة ، فرحلت إليه في بعض الأيام ، فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت وعلي ثياب السفر لم أُغيرها، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر . 


فلما دخلت إليه ، رأيته في بيت يجري فيه الماء ، فسلمت عليه وجلست ، فأُتي بطست وإبريق فغسل يديه ، ثم أمرني فغسلت يدي وأُحضرت المائدة ، وذهب عني أني صائم وأني في شهر رمضان ، ثم ذكرت فأمسكت يدي ، 

فقال لي حميد : ما لك لا تأكل؟ 

فقلت : أيها الأمير هذا شهر رمضان ، ولست بمريض ولا بي علة توجب الإفطار ، ولعل الأمير له عذر في ذلك أو علة توجب الإفطار ، 

فقال : ما بي علة توجب الإفطار وإني لصحيح البدن ، ثم دمعت عيناه وبكى .


فقلت له بعدما فرغ من طعامه : ما يبكيك أيها الأمير؟ 

فقال : أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل ، أن أجب ، فلما دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد ، وسيفاً أخضر مسلولاً ، وبين يديه خادم واقف ، فلما قمت بين يديه رفع رأسه إليّ ، 

فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ 

فقلت : بالنفس والمال ، فأطرق ثم أذن لي في الانصراف . 

فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إليّ وقال : أجب أمير المؤمنين ، 

فقلت في نفسي : إنا لله أخاف أن يكون قد عزم على قتلي ، وإنه لما رآني استحيا مني فعدت إلى بين يديه فرفع رأسه إليّ 

فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ 

فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد ، فتبسم ضاحكاً ، ثم أذن لي في الانصراف . 

فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليّ فقال : أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله ، 

فرفع رأسه إلي فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين 

فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد والدين فضحك ، 

ثم قال لي : خذ هذا السيف ، وامتثل ما يأمرك به هذا الخادم .


قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه ، وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ، ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه ، وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ، ففتح باب بيت منها ، فإذا فيه عشرون نفساً عليهم الشعور والذوائب ، شيوخ وكهول وشبّان مقيدون ، 

فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، وكانوا كلهم علوية من ولد علي وفاطمة (عليهم السلام) ، فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ، حتى أتيت على آخرهم ، ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر .


ثم فتح باب بيت آخر ، فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلوية من ولد علي وفاطمة (عليهم السلام) مقيدون ، 

فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد ، فأضرب عنقه ، ويرمي به في تلك البئر، حتى أتيت على آخرهم .


ثم فتح باب البيت الثالث ، فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد علي وفاطمة ، مقيدون عليهم الشعور والذوائب ، 

فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً، فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ، فيرمي به في تلك البئر حتى أتيت على تسعة عشر نفساً منهم ، وبقي شيخ منهم عليه شعر ، 

فقال لي : تباً لك يا مشؤوم ! ! أي عذر لك يوم القيامة ، إذا قدمت على جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد قتلت من أولاده ستين نفساً ، قد ولدهم علي وفاطمة (عليهم السلام) ؟ فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي ، فنظر إليّ الخادم مغضباً وزبرني (١) ، فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته ورمى به في تلك البئر ، فإذا كان فعلي هذا ، وقد قتلت ستين نفساً ، من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما ينفعني صومي وصلاتي ، وأنا لا أشك أني مخلد في النار (٢) . 


هذا عمل واحد من أعمال هارون العباسي فقط ، فكيف ببقية أعماله الأخرى… ؟ .