حمل الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) على حماميل أربعة

 حمل الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) على حماميل أربعة

ومن عجائب الزمان أن إماماً معصوماً هو حجة الله على جميع الخلق ، يحمل من السجن مكبّلاً بالحديد في يديه ورجليه ، على جسر بغداد جسر الرصافة ، ينظر إليه المارة من القريب والبعيد ، والسندي كلما مر أحد من المارة يقول له : 

انظر إلى موسى بن جعفر فإنه مات حتف أنفه ، لئلا يقال إنه قتله بأمر هارون العباسي ، قال الشيخ الصدوق والمجلسي وغيرهما من الرواة : 

(لما توفي موسى بن جعفر (عليه السلام) في يدي السندي بن شاهك ، وحمل على نعش ونودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه ، فلما أُتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر ، فنادوا ألا من أراد أن يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج) (۱) .


فكان قصر سليمان بن أبي جعفر المنصور الدوانيقي عم هارون العباسي ، يطل على الجسر ، فلما سمع ضجة من ضاحك وباكٍ ، وضوضاء أرسل مواليه لاستعلام الأمر ، ولما جاءوه خبَّروه بأن هذه جنازة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، فخاف انقلاب الرأي العام على الدولة العباسية من فعل كهذا ، فبدل أن يخرج الإمام الكاظم (عليه السلام) من السجن إلى أهله ، يخرج مكبّلاً بالحديد ميتاً بالسم ، وفوق ذلك ينادى عليه بمثل هذا النداء البذيء ، فما كان من سليمان بن أبي جعفر المنصور العباسي إلا أنْ نزل حاسر الرأس مدهوشاً وخرج من قصره إلى الشط ، فسمع الصياح والضوضاء ، 

فقال لولده وغلمانه : ما هذا؟ 

قالوا : السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش، 

فقال لولده وغلمانه : يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي ، فإذا عبر به ، فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فإن ما نعوكم فاضربوهم ، وخرقوا ما عليهم من السواد.


فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم ، وخرقوا عليهم سوادهم ، ووضعوه في مفرق أربعة طرق ، وأقام المنادين ينادون ألا من أراد أن يرى الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج ، وحضر الخلق وغُسل وحُنط بحنوط فاخر ، وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار ، عليها القرآن كله ، واحتفى ومشى في جنازته متسلباً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش (۱) .


فسليمان بن المنصور وآل بني العباس جميعاً ، إذا حكموا يفعلون ما فعل هارون وأكثر ، فهذا التأريخ ناطق بذلك ، فأين هو لما كان الإمام الكاظم (عليه السلام) مسجوناً عدة سنين في سجن ابن أخيه هارون ، مع العلم بأنّ له القدرة على إخراج الإمام (عليه السلام) من السجن ، لأنه مقرب من البلاط العباسي ، وأكبر دليل عليه أنه لما أراد أخذ الجنازة من الشرطة لم تقاوم الشرطة حرس سليمان ، لأنه عم هارون وأخو المهدي العباسي بن المنصور الدوانيقي.