مناظراته مع أصحاب الديانات الأُخرى

 مناظراته مع أصحاب الديانات الأُخرى

فالإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ليس فقط يناظر المسلمين ، بل يناظر جميع أصحاب الديانات الأُخرى (سماوية وغير سماوية) ، فالشيخ الطبرسي ألف كتاباً ضخماً ، جمع فيه احتجاجات المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم من المسلمين وغير المسلمين ، سمّاه الاحتجاج ، فالإمام عنده علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فروى أكثر أصحاب الحديث أن نصرانياً جاء إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، ليتعرف على علمه ويتعلم منه ، كما روي عن أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعاً ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : 

كنت عند أبي الحسن موسى (عليه السلام) إذ أتاه رجل نصراني ونحن معه بالعريض (١) فقال له النصراني : 

أتيتك من بلد بعيد وسفر شاقّ ، وسألت ربي منذ ثلاثين سنة ، أن يرشدني إلى خير الأديان ، وإلى خير العباد وأعلمهم ، وأتاني آتٍ في النوم ، فوصف لي رجلاً بعليا دمشق ، فانطلقت حتى أتيته فكلمته ، 

فقال : أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم مني ، 

فقلت : أرشدني إلى من هو أعلم منك ، فإني لا أستعظم السفر ولا تبعد عليَّ الشقة ، ولقد قرأت الإنجيل كلها ومزامير داود ، وقرأت أربعة أسفار من التوراة ، وقرأت ظاهر القرآن حتى استوعبته كله ، 

فقال لي العالم : إن كنت تريد علم النصرانية فأنا أعلم العرب والعجم بها ، وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها اليوم ، وإن كنت تريد علم الإسلام وعلم التوراة وعلم الإنجيل وعلم الزبور وكتاب هود ، وكل ما أُنزل على نبيّ من الأنبياء في دهرك ودهر غيرك ، وما أُنزل من السماء من خبر فعلمه أحد ، أو لم يعلم به أحد ، فيه تبيان كل شيء وشفاء للعالمين ، وروح لمن استروح إليه ، وبصيرة لمن أراد الله به خيراً وأنس إلى الحق ، فأُرشدك إليه ، فأته ولو مشياً على رجليك ، فإن لم تقدر فحبواً على ركبتيك ، فإن لم تقدر فزحفاً على استك ، فإن لم تقدر فعلى وجهك ، 

فقلت : لا بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال ، 

قال : فانطلق من فورك حتى تأتي يثرب، 

فقلت : لا أعرف يثرب ، 

قال : فانطلق حتى تأتي مدينة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي بعث في العرب وهو النبي العربي الهاشمي ، فإذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار ، وهو عند باب مسجدها وأظهر بزة (١) النصرانية وحليتها ، فإن واليها يتشدد عليهم والخليفة أشد ، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول وهو ببقيع الزبير ، ثم تسأل عن موسى بن جعفر ، وأين منزله وأين هو؟ مسافر أم حاضر ، فإن كان مسافراً فالحقه فإن سفره أقرب مما ضربت إليه ، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة (٢) -غوطة دمشق- هو الذي أرشدني إليك وهو يقرئك السلام كثيراً ، ويقول لك : 

إني لأُكثر مناجاة ربي أن يجعل إسلامي على يديك ، فقص هذه القصة ، وهو قائم معتمد على عصاه .


ثم قال : إن أذنت لي يا سيدي كفَّرت لك (۳) وجلست، 

فقال : آذن لك أن تجلس ولا آذن لك أن تكفِّر ، فجلس ثم ألقى عنه برنسه، 

ثم قال : جعلت فداك تأذن لي في الكلام ؟ 

قال : نعم ما جئت إلا له ، 

فقال له النصراني : اردد على صاحبي السلام ، أو ما ترد السلام؟ 

فقال أبو الحسن (عليه السلام) : على صاحبك إن هداه الله ، فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا ، 

فقال النصراني : إني أسألك - أصلحك الله - 

قال : سل، 

قال : أخبرني عن كتاب الله تعالى الذي أُنزل على محمد ونطق به ، ثم وصفه بما وصفه به ، فقال : {حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)} .


ما تفسيرها في الباطن ؟ 

فقال : أما حم فهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف وأما {الْكِتَابِ الْمُبِينِ} فهو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وأما الليلة ففاطمة ، وأما قوله : {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} يقول : يخرج منها خير كثير ، فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم ، 

فقال الرجل : صف لي الأول والآخر من هؤلاء الرجال، 

فقال : إن الصفات تشتبه ولكن الثالث من القوم ، أصف لك ما يخرج من نسله ، وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم ، إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا ، وقديماً ما فعلتم ، 

قال له النصراني : إني لا أستر عنك ما علمت ، ولا أكذبك وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه ، والله لقد أعطاك الله من فضله ، وقسم عليك من نعمه ، ما لا يخطره الخاطرون ولا يستره الساترون ، ولا يكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحق كما ذكرت ، فهو كما ذكرت .


فقال له أبو إبراهيم (عليه السلام) : أُعجلك أيضاً خبراً لا يعرفه إلا قليل ممن قرأ الكتب ، أخبرني ما اسم أم مريم ، وأي يوم نفخت فيه مريم ، ولكم من ساعة من النهار ، وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى (عليه السلام) ، ولكم من ساعة من النهار؟