يؤخر الجواب عن أتفه المسائل من شدة التقية

يؤخر الجواب عن أتفه المسائل من شدة التقية

لذا فإنّك في أتفه المسائل الفقهية التي تخص الحيض وغيره ، تجد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، لا يجيب مباشرة ، خوفاً لأنْ يقول المخالفون حکمه غير حكمنا ، فيضايقونه (عليه السلام) ويؤذونه كما في الكافي وغيره من كتب الحديث : علي ، عن أبيه ، والعدة ، عن البرقي جميعاً ، عن محمد بن خالد ، عن خلف بن حماد ، ورواه أحمد أيضاً عن محمد بن أسلم ، عن خلف بن حماد الكوفي قال : 

تزوج بعض أصحابنا جارية معصراً لم تطمث ، فلما افتضها سال الدم ، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيام ، 

قال : فأروها القوابل ، ومن ظنوا أنه يبصر ذلك من النساء ، فاختلفن ، 

فقال بعض : هذا من دم الحيض 

وقال بعض : هو من دم العذرة .


فسألوا عن ذلك فقهاءهم ، مثل أبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا : 

هذا شيء قد أشكل ، والصلاة فريضة واجبة ، فلتتوضأ ولتصلّي ، وليمسك عنها زوجها ، حتى ترى البياض ، فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة ، وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ، ففعلت الجارية ذلك . 


وحججت في تلك السنة ، فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت : 

جعلت فداك إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعاً ، فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك فأسألك عنها ، 

فبعث إليّ : إذا هدأت الرجل ، وانقطع الطريق ، فأقبل إن شاء الله ، 

قال خلف : فرعيت الليل ، حتى إذا رأيت الناس قد قلّ اختلافهم بمني ، توجهت إلى مضربه ، فلما كنت قريباً إذا أنا بأسود قاعد على الطريق ، 

فقال : من الرجل؟ 

فقلت : رجل من الحاج ، 

فقال : ما اسمك ؟ 

قلت : خلف بن حماد ، 

فقال : ادخل بغير إذن ، 

فقد أمرني أن أقعد ههنا ، فإذا أتيت أذنت لك ، فدخلت فسلمت فرد عليّ السلام ، وهو جالس على فراشه وحده ، ما في الفسطاط غيره ، فلما صرت بين يديه ، سألني وسألته عن حاله .


فقلت له : إن رجلاً من مواليك تزوج جارية معصراً لم تطمث ، فلما افتضها فافترعها سال الدم ، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيام ، وإن القوابل اختلفن في ذلك فقالت بعضهن : دم الحيض ، وقالت بعضهن : دم العذرة ، فما ينبغي لها أن تصنع ؟


قال : فلتتقِ الله ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر ، وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتقِ الله ولتتوضأ ولتصلّي ، ويأتيها بعلها إن أحب ذلك .


فقلت له : وكيف لهم أن يعلموا مما هي حتى يفعلوا ما ينبغي؟ 

قال : فالتفت يميناً وشمالاً في الفسطاط ، مخافة أن يسمع كلامه أحد .


قال : ثم نهد إليّ ، 

فقال : يا خلف سرّ الله ، فلا تذيعوه ، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله ، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال . 


قال : ثم عقد بيده اليسرى تسعين ، ثم قال : تستدخل القطنة ، ثم تدعها ملياً، ثم تخرجها إخراجاً رفيقاً ، فإن كان الدم مطوقاً في القطنة فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض .


قال خلف : فاستخفني الفرح فبكيت ، فلما سكن بكائي ، 

فقال : ما أبكاك ؟ 

قلت : جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك؟! 

قال : فرفع يده إلى السماء ، وقال : والله إني ما أخبرك إلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل عن الله عز وجل (۱) .


عزيزي القارئ إذا رأيت هذا الجو السياسي المظلم ، وشدة التقية في مسائل مثل الحيض ، كيف يتخفى الإمام (عليه السلام) عن الجواب عنها ، فكيف بالمسائل الأُخرى من الأمور العقائدية ، وعلومهم الخاصة؟!


لذا كان من الضروري أن يكون في البلاط العباسي ، رجل يبرد الأرض على شيعة أهل البيت (عليه السلام) من ظلم بني العباس ، ويكون يداً ولساناً وعيناً لهم من الأعداء ، من دفع الظلم والأذية عنهم وقضاء حوائجهم ، فكان ذلك الرجل علي بن يقطين رضوان الله عليه ، فكان علي ابن يقطين ممن يستخدم التقية ، يتظاهر بالموالاة لبني العباس ، ويبطن ولاءه للإمام موسی بن جعفرة (عليه السلام) ، فكان يجلس مجالسهم ويؤاكلهم ويسايرهم ، ويظهر المحبة والولاء للدولة العباسية ، وبالخصوص هارون الرشید.