قال ابن حمزة الطوسي ، ولقد وجدت في بعض كتب أصحابنا (رضي الله عنهم) أنه كان للرشيد باز أبيض ، يحبه حباً شديداً ، فطار في بعض متصيداته حتى غاب عن أعينهم ، فأمر الرشيد أن يضرب له قبة ، نزل تحتها ، وحلف أنه لا يبرح من موضعه أو يجيئوا إليه بالباز ، وأقام بالموضع ، وأنفذ وجوه العسكر ، وسرح الأمراء والأقواد في طلبه على مسيرة يوم ويومين وثلاثة.
فلما كان في اليوم الثاني ، آخر النهار نزل البازي عليه ، في يده حيوان يتحرك ، ويلمع كما يلمع السيف في الشمس ، فأخذه من يده بالرفق ، ورجع إلى داره فطرحه في طست ذهب ، ودعا بالأشراف والأطباء والحكماء والفقهاء والقضاة والحكام،
فقال : هل فيكم من رأى مثل هذه الصورة قط؟
فقالوا : ما رأينا مثلها قط ، ولا ندري ما هي.
قال : كيف لنا بعلمها ؟
فقال له ابن أكثم القاضي ، وأبو يوسف يعقوب القاضي : ما لك غير إمام الروافض موسى بن جعفر ، تبعث وتحضر جماعة من الروافض ، وتسأله عنها ، فإن علم كانت معرفتها لنا فائدة ، وإن لم يعلم افتضح عند أصحابه الذين عندهم أنه يعلم الغيب ، وينظر في السماء إلى الملائكة.
فقال : هذا - وتربة المهدي - نعم الرأي ، وأرسلوا خلف أبي الحسن (عليه السلام) ، وسألوه أن يحضر المجلس الساعة ، ومن عنده
من أصحابه . وبعثوا خلف فلان وفلان من أصحاب الروافض .
فحضر أبو الحسن (عليه السلام) ، وجماعة من الشيعة معه
فقال : يا أبا الحسن ، إنما أحضرتك شوقاً إليك .
فقال : «دعني من شوقك ، ألا إن الله تبارك وتعالى خلق بين السماء والأرض بحراً مكفوفاً عذباً زلالاً ، كفَّ الموج بعضه على بعض من حواشيه ، لئلا يطغى خزنته ، فينزل منه مكيال فيهلك ما تحته ، وطوله أربعة فراسخ في أربعة فراسخ من فراسخ الملائكة ، الفرسخ مسيرة مائتي عام للراكب المجدّ ، يحفّ به الصافّون المسبّحون من الملائكة الذين قال الله تعالى:
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (۱) وخلق له سكاناً أشخاصاً على عمل السمك صغاراً وكباراً ، فأكبر ما فيه من هذه الصورة شبر ، وله رأس كرأس الآدمي ، وله أنف وأذنان وعينان ، والذكور منها له سواد في وجهه مثل اللحى ، والإناث لها شعور على رأسها مثل النساء ، ولها أجساد مثل أجساد السمك ، وفلوس مثل (فلوس السمك) وبطون مثل بطونها ، ومواضع الأجنحة منها ، مثل أكفّ وأرجل مثل أيدي الناس وأرجلهم ، تلمع لمعاناً عظيماً لأنها متبرجة بالأنوار ، تغشي الناظر إليها حتى يردّ طرفه حسيراً ، غداؤها التقديس والتكبير والتهليل ، فإذا قصر أحدها في التسبيح ، سلط الله عليها البزاة البيض ، فأكلتها وجعلت رزقها ، وما يحل لك أن تأخذ من هذا البازيّ رزقه ، الذي بعثه الله إليه ليأكله» .
فقال الرشيد : أخرجوا الطست ، فأخرجوه ، فنظر إليها ، فما أخطأ مما قال أبو الحسن موسى (عليه السلام) شيئاً ، ثم انصرف ، فطرحها الرشيد للبازي فقطعها وأكلها ، فما نقط لها دم ، ولا سقط منها شيء .
فقال الرشيد لجماعة الهاشميين ومن حضر: أترانا لو حدَّثنا بهذا كنا نصدِّق؟! (۱) .
وهذه الرواية والفضيلة ، تشابهها فضيلة للإمام محمد الجواد (عليه السلام) مع المأمون ، باختلاف يسير .




