نقل ابن شهرآشوب عن خالد السمان في خبر أن الرشيد دعا رجلاً يقال له علي بن صالح الطالقاني وقال له :
(أنت الذي تقول : إنَّ السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان؟
قال : نعم .
قال : فحدثنا كيف كان؟
قال : كسر مركبي في لجج البحر ، فبقيت ثلاثة أيام على لوح تضربني الأمواج ، فألقتني الأمواج إلى البر ، فإذا أنا بأنهار وأشجار ، فنمت تحت ظل شجرة ، فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتاً هائلاً ، فانتبهت فزعاً مذعوراً ، فإذا أنا بدابتين تقبلان على هيئة الفرس ، لا أُحسن أن أصفهما ، فلما بصرتا بي دخلتا في البحر ، فبينما أنا كذلك إذ رأيت طائراً عظيم الخلق ، فوقع قريباً مني ، بقرب كهف في جبل ، فقمت مستتراً بالشجر حتى دنوت منه لأتأمله ، فلما رآني طار ، وجعلت أقفو أثره.
فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً وتلاوة قرآن ، فدنوت من الكهف ، فناداني منادٍ من أهل الكهف:
ادخل يا علي ابن صالح الطالقاني رحمك الله،
فدخلت وسلَّمت ، فإذا رجل فخم ضخم ، غليظ الكراديس ، عظيم الجثة ، أنزع أعين ، فرد عليَّ السلام،
وقال : يا علي بن صالح الطالقاني ، أنت من معدن الكنوز ، لقد أقمت ممتحناً بالجوع والعطش والخوف ، لولا أنَّ الله رحمك في هذا اليوم ، فأنجاك وسقاك شراباً طيّباً ، ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها ، وكم أقمت في البحر ، وحين كسر بك المركب ، وكم لبثت تضربك الأمواج ، وما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختياراً للموت لعظيم ما نزل بك ، والساعة التي نجوت فيها ، ورؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين ، واتباعك للطائر الذي رأيته واقعاً ، فلما رآك صعد طائراً إلى السماء ، فهلم فاقعد رحمك الله.
فلما سمعت كلامه ، قلت : سألتك بالله من أعلمك بحالي؟
فقال : عالم الغيب والشهادة ، والذي يراك حين تقوم ، وتقلبك في الساجدين ،
ثم قال : أنت جائع
فتكلم بكلام تململت به شفتاه ، فإذا بمائدة عليها منديل ، فكشفه،
وقال: هلمَّ إلى ما رزقك الله فكل،
فأكلت طعاماً ما رأيت أطيب منه ، ثم سقاني ماء ما رأيت ألذَّ من ولا أعذب ، ثم صلى ركعتين .
ثم قال : يا علي ، أتحب الرجوع إلى بلدك؟
فقلت : ومن لي بذلك؟
فقال : وكرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك،
ثم دعا بدعوات ، ورفع يده إلى السماء،
وقال : الساعة الساعة ،
فإذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعاً قطعاً ، وكلما وافت سحابة ،
قالت : سلام عليك يا ولي الله وحجته،
فيقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، أيتها السحابة السامعة المطيعة،
ثم يقول لها : أين تريدين؟
فتقول : أرض كذا .
فقال : ألرحمة أو سخط ؟
فتقول لرحمة أو سخط ، وتمضي حتى جاءت سحابة حسنة مضيئة،
فقالت : السلام عليك يا ولي الله وحجته .
قال : وعليك السلام ، أيتها السحابة السامعة المطيعة ، أين تريدين؟
فقالت : أرض طالقان .
فقال : لرحمة أو سخط .
فقالت : لرحمة .
فقال لها : احملي ما حملت مودعاً في الله.
فقالت: سمعاً وطاعة .
قال لها : فاستقري بإذن الله على وجه الأرض ، فاستقرت ، فأخذ بعضدي فأجلسني عليها .
فعند ذلك قلت له : سألتك بالله العظيم وبحق محمد خاتم النبيين ، وعلي سيد الوصيين ، والأئمة الطاهرين من أنت؟ فقد أُعطيت والله أمراً عظيماً!
فقال : ويحك يا علي بن صالح ، إن الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين ، إما باطن وإما ظاهر ، أنا حجة الله الظاهرة ، وحجته الباطنة ، أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم ، وأنا المؤدي الناطق عن الرسول ، أنا في وقتي هذا موسى بن جعفر،
فذكرت إمامته وإمامة آبائه ، وأمر السحاب بالطيران فطارت ، فوالله ما وجدت ألماً ولا فزعت ، فما كان بأسرع من طرفة العين ، حتى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي وعقاري سالماً في عافية ، فقتله الرشيد ، وقال: لا يسمع بهذا أحد) (١).