قال ابن كثير في البداية والنهاية وغيره من المؤرخين : خلافة الوليد ابن يزيد بن عبد الملك قال الواقدي : بويع له بالخلافة يوم مات عمه هشام بن عبد الملك يوم الأربعاء لست خلون من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة .
وقال هشام بن الكلبي : بويع له يوم السبت في ربيع الآخر ، وكان عمره إذ ذاك أربعاً وثلاثين سنة .
وكان سبب ولايته أن أباه يزيد بن عبد الملك ، كان قد جعل الأمر من بعده لأخيه هشام ، ثم من بعده لولده الوليد هذا ، فلما ولي هشام أكرم ابن أخيه الوليد حتى ظهر عليه أمر الشراب وخلطاء السوء ومجالس اللهو ، فأراد هشام أن يقطع ذلك عنه ، فأمره على الحج سنة ست عشرة ومائة ، فأخذ معه كلاب الصيد خفية من عمه ، حتى يقال إنه جعلها في صناديق ، فسقط منها صندوق فيه كلب ، فسمع صوته فأحالوا ذلك على الجمال فضرب على ذلك .
قالوا : واصطنع الوليد قبة على قدر الكعبة ، ومن عزمه أن ينصب تلك القبة فوق سطح الكعبة ، ويجلس هو وأصحابه هنالك ، واستصحب معه الخمور وآلات الملاهي وغير ذلك من المنكرات ، فلما وصل إلى مكة ، هاب أن يفعل ما كان قد عزم عليه من الجلوس فوق ظهر الكعبة ، خوفاً من الناس ومن إنكارهم عليه ذلك (١) .
ثم توالى الظلم على أهل البيت (؏) من واحد بعد آخر من حكام الدولة الأموية ، إلى أن قامت الدولة العباسية ، بشعار رفع الظلم عن أهل البيت (؏) ، وإرجاع الخلافة والإمارة إلى أهلها محمد وآل محمد (؏) فأول ما بدأ بنو العباس ببني أمية من قتل وتشريد ، ليظهروا للعالم أنهم ما قاموا إلا للتخلص من قَتَلة أهل البيت (؏) ، وبالخصوص قَتَلة الإمام الحسين بن علي (؏) ، حتى قتلوا بني أمية ، وتفننوا في قتلهم، بدعوى أنهم قتلوا الإمام الحسين وظلموا أهل البيت (؏) ، ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني أنّ سبب قتل بني أمية ، أن السفاح أُنشد قصيدة مدح بها ، فأقبل على بعضهم فقال : أين هذا مما مدحتم به ! فقال : هيهات! لا يقول والله أحد فيكم مثل قول ابن قيس الرّقيّات فينا :
مانقموا من بني أميّة إلَّا
أنّهم يحلمون إن غـضـبـوا
وأنّهم معدن الــمـلـوك فــمــا
تصلح إلاَّ عـلـيـهـم الـعـرب
فقال له : يا ماصّ كذا من أمّه ! أو إنّ الخلافة لفي نفسك بعد! خذوهم! فأُخذوا فقتلوا .
بسط السفاح على قتلاهم بساطاً تغدى عليه وهم يضطربون تحته قال : أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن النّضر بن عمرو عن المعيطيّ : أنّ أبا العباس دعا بالغداء حين قتلوا ، وأمر ببساط فبسط عليهم ، وجلس فوقه يأكل ، وهم يضطربون تحته . فلمّا فرغ من الأكل قال : ما أعلمني أكلت أكلة قطَّ أهنأ ولا أطيب لنفسي منها . فلمّا فرغ قال : جرّوا بأرجلهم ؛ فألقوا في الطريق يلعنهم الناس أمواتاً ، كما لعنوهم أحياءً .
قال : فرأيت الكلاب تجرّ بأرجلهم، وعليهم سراويلات الوشي حتى أنتنوا، ثم حفرت لهم بئر فأُلقوا فيها (١) .
بيد أن المظلوم الأول والأخير هم أهل البيت (؏) ، وبنو العباس لم يصلهم ظلم من بني أمية ، بل بالعكس كانوا معهم وشركاءهم ، فإنّ عبيدالله بن العباس كان جالساً في مجلس عبيدالله بن زياد ، لما أُدخل مسلم بن عقيل إلى المجلس ، وهو يبكي على مجيء الإمام الحسين (؏) إلى الكوفة ، قال عبيدالله بن العباس :
(إن من يطلب مثل الذي طلبت ، إذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبكِ .
قال : والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم أُحب لها طرفة عين تلفاً ولكن أبكي لأهلي المقبلين ، أبكي للحسين وآل الحسين) (۱) .
وأيضاً عبيد الله بن العباس ممن خذل الإمام الحسن المجتبى (؏) ، لمّا رأّسه على جيشه ، ترك الإمام الحسن (؏) والتحق بمعاوية ضد الإمام الحسن (؏) ، مع العلم أن أهل البيت (؏) هم المظلومون أولاً وأخيراً ، ولكن لا يعملون عمل بني أمية وبني العباس إذا تمكنوا ، بل هم أعظم وأجلّ .