فمن أعمال معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية ، أنه حمل أول رأس في الإسلام رأس عمرو بن حمق الخزاعي من الكوفة إلى الشام كما روى محمد بن علي الصواف عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن شهير [شمیر «خ»] بن سدير الأزدي قال : قال علي أمير المؤمنين (؏) لعمرو بن الحمق الخزاعي :
(أين نزلت يا عمرو ؟
قال : في قومي .
قال : لا تنزلن فيهم .
قال : أفأنزل في بني كنانة جيراننا؟
قال : لا .
قال أفأنزل في ثقيف ؟
قال : فما تصنع بالمعرة والمجرة؟
قال : وما هما؟
قال : عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة ، أحدهما على تميم وبكر بن وائل ، فقلما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة ، فقل من يصيب منهم . إنما هو يدخل الدار فيحرق البيت والبيتين .
قال : فأين أنزل ؟
قال : في بني عمرو بن عامر من الأزد .
قال : فقال قوم حضروا هذا الكلام : ما نراه إلا كاهناً يتحدث بحديث الكهنة .
فقال : يا عمرو إنك لمقتول بعدي ، وإن رأسك لمنقول ، وهو أول رأس ينقل في الإسلام ، والويل لقاتلك ، أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموك برمتك ، إلا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد ، فإنهم يسلموك ولن يخذلوك .
قال : فوالله ما مضت الأيام حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في أحياء العرب خائفاً مذعوراً ، حتى نزل في قومه من بني خزاعة ، فأسلموه ، فقتل وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام ، وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد!) (١) .
وذكر هذه الواقعة أغلب المؤرخين ؛ منهم أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني
(فخرج عمرو بن الحمق ، ورفاعة بن شدّاد حتى نزلا المدائن ، ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل ، فأتيا جبلاً فكمنا فيه ، وبلغ عامل ذلك الرّستاق - وهو رجل من همدان يقال له عبيد الله بن أبي بلتعة - خبرهما ، فسار إليهما في الخيل ، ومعه أهل البلد ، فلما انتهى إليهما خرجا ، فأما عمرو فكان بطنه قد استسقى ، فلم يكن عنده امتناع ، وأما رفاعة فكان شابّاً قوياً فوثب على فرس له جواد ، وقال لعمرو : أقاتل عنك .
قال : وما ينفعني أن تُقتل؟ انجُ بنفسك ، فحمل عليهم، فأفرجوا له حتى أخرجه فرسه وخرجت الخيل في طلبه ، وكان رامياً فلم يلحقه فارس إلاَّ رماه ، فجرحه أو عقره ، فانصرفوا عنه ؛ فأخذ عمرو بن الحمق ،
فسألوه : من أنت؟
فقال : من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضرّ عليكم ، فسألوه فأبى أن يخبرهم ، فبعثوا به إلى عبد الرحمن بن عثمان ، وهو ابن أم الحكم
الثقفي ، فلما رأى عمراً عرفه .
فكتب إلى معاوية بخبره . فكتب إليه معاوية : إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات ، وإنه لا يتعدى عليه ، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان .
فأُخرج فطعن تسع طعنات ، فمات في الأولى منهن أو في الثانية ، وبعث برأسه إلى معاوية ؛ فكان رأسه أوّل رأس حمل في الإسلام) (۱) .
وسمَّ الإمام الحسن بن أمير المؤمنين علي (؏) ، ثم جاء يزيد بن معاوية بنص من أبيه معاوية والياً للمسلمين ، لذا أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة على المدينة ليأخذ البيعة ليزيد ، ليكون رجال المدينة عبيداً ليزيد ، ونساؤهم إماءً ليزيد بن معاوية ، من المهاجرين والأنصار كما ذكره عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ، بقوله :
(دخل مسلم بن عقبة المدينة ، وتغلب على أهلها ، ثم دعاهم إلى البيعة على أنهم خول ليزيد ابن معاوية ، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم) (۱) .
فأول أعمال يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين في محرم الحرام أنه قام بجريمة بكت لها السماء دماً عبيطاً ، لقتله ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الإمام الحسين بن علي أمير المؤمنين (؏) ، في كربلاء المعلى ، ثم بعد قتلهم الإمام الحسين (ع) جعلوا الخيل تطأ صدره وظهره حتى طحنوه طحناً كما قال السيد حيدر الحلي :
حيث الحسين خيل العدى طحنت ضلوعه
وسبوا نساءه وأطفاله كما تسبى الكفار ، وأدخلوهم من مجلس إلى مجلس ، يتصفح وجوه النساء القريب والبعيد ، وأدخلوهم في مجلس يزيد مربطين بالحبال ، ويزيد يضرب ثنايا أبي عبد الله الحسين بن علي (؏) سيد شباب أهل الجنة بمخصرته ، وكؤوس الخمر تدار ، من واحد إلى آخر من جماعته .