٢٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ
ذكرى رحيل الشيخ الأوحد الإحسائي (قدس سره)
﷽
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه ومظهر لطفه وألسن إرادته محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين .
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} .
تمر علينا اليوم الذكرى الرابعة بعد المئتين لرحيل شيخ المتألهين وعمدة العلماء والعارفين الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي الأوحد طيب الله ثراه وأعلى الله مقامه الشريف ، والذي يعد واحد من أعظم مصاديق هذه الآية الشريفة على مر العصور، ومنذ غيبة مولانا بقية الله الأعظم الحجة بن الحسن أرواحنا فداه ، فمن اطلع على سيرته الشريفة يرى بعين الإنصاف أن هذا الشيخ رضوان الله عليه قد حقق بأفعاله حقيقة الجهاد في سبيل الله ، وكان مصداقا لقول إمامنا الصادق عليه السلام :
«من أحبنا أهل البيت ، وحقق حبنا في قلبه ، جرت ينابيع الحكمة على لسانه ، وجدد الإيمان في قلبه» .
وقال عليه السلام : «ما من عبد أحبنا وزاد في حُبنا وأخلص في معرفتنا وسأل مسألة إلا ونفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة» ،
فلقد والله أحبهم سلام الله عليهم بكل معاني المحبة ، المحبة التي جعلت من هذا الشيخ الأجل رضوان الله عليه منقطعا لأئمته عليهم السلام في كل أحواله وشئونه ، صغيرها وكبيرها ، فقد كان رضوان الله عليه من أزهد وأتقى وأورع وأعبد أهل زمانه ، وكانت النتيجة الحتمية لهذا الإنقطاع لأصول الكرم عليهم السلام أن يتفضلوا عليه بعظيم العلم ، وأن يجروا ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، وأن ينفثوا في روعه جواباً لكل مسألة معضلة ، حتى أنهم سلام الله عليه ومن فيض جودهم وعميم كرمهم نفوا عن دين الله على يديه تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَ انْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ .
فيا أيها المنصفون في العالم انظروا في كتبه ومصنفاته ، وكلامي موجه للمنصفين وأما غيرهم فقد ابتلوا بمرض العناد والمكابرة ، فإذا نظر المنصف في كتبه فهل يجد إلا ما قد ادعاه هو رضوان الله عليه في مقدمة شرحهِ على الفوائد حيث قال بعد ما ذكر مسلك من سبقه ممن يدعي الحكمة :
(وأنا لمّا لم أَسلُك طريقهم وأخذت تحقيقات ما علمت عن أئمة الهدى عليهم السلام ، لم يتطرّق على كلماتي الخطأ لأني ما أثبت في كتبي فهو عنهم وهم عليهم السلام معصومون عن الخطأ والغفلة والزلل ومن أخذ عنهم لا يخطئ من حيث هو تابع وهو تأويل قوله تعالى : سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ) .
فلما كان هذا مسلكه الشريف حيثُ لم ينحرف ولو بمقدار شعرة عن طريقهم عليهم السلام كان مصداقا أيضا لقوله تعالى :
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ} فكان ولا زال رضوان الله عليه من أشرف القرى الظاهرة التي تَدُلّنا وتُرشدنا وتوصلُنا إلى القرى المباركة صلوات الله وسلامه عليهم .
ومن الواجب هنا أن أذكر أمرا مهما لمن يريد مطالعة كتبه ورسائله وكتب تلامذته ومريديه ، عليكم أولاً أن تتعرفوا على اصطلاحاته بحسب ما بين هو رضوان الله عليه في كتبه ومصنفاته ، فإنه قدس سره الشريف قد يكون قد أتى باصطلاح معروف لدى الفلاسفة أو المناطقة او غيرهم ، ولكن مراده من هذا الاصطلاح غير مرادهم ، والأمثلة في هذا المضمار كثيرة ، لا يتسع وقت هذه الكلمة المختصرة لبيانها .
نعم أيها المؤمنون المكرمون هذا هو طريق شيخنا أعلى الله مقامه ، ونحن على هذا المسلك وهذا الطريق ما حيينا ، وسنبقى ما دامت فينا القوة والقدرة نجاهد قربة لوجه الله تعالى في نشر علومه ومعارفه التي هي علوم ومعارف أهل البيت عليهم السلام ، وسنبقى من المدافعين عن هذا الشيخ المظلوم ، ولوكان في الوقت سعة أكثر لبينت أكثر من هذا ، ولكن الحر تكفيه الإشارة .
وفي الختام أوجه كلمة أُخرى لأتباع هذه المدرسة المباركة ، عليكم واجب شرعي نُسأل وتُسألون عنه يوم القيامة تجاه هذا العالم الجليل الذي نحن ننتسب إليه ، في مساجدنا وفي حسينياتنا وفي مجالسنا ، يجب علينا بذل قصارى جهدنا في نشر علومه ومعارفه ، واستخدام كل الوسائل والطرق لنشر علومه ومعارفه ، ولا عذر لأي واحد منا إذا قصر في هذا السبيل ، فقد جاهد علماؤنا الأبرار ، ومنهم أجدادي وآبائي وعمي الأكبر المقدس في هذا السبيل ، وأي تقصير منا هو تضييع لجهودهم وأتعابهم ولسنا معذورين في ذلك ، ولا أنسى ان هناك ثلةٌ من شبابنا يجاهدون في هذا السبيل ، ويتحملون العِناء والتعب والشتم والسباب والتُّهم وغيرها ، فأقول لهم هنيئاً لكم فُزتم فوزا عظيما ، جاهدوا في هذا السبيل فإن الله وعدَكم أنه ونتيجة جهادكم سيهديكم .
السلام على شيخنا الأوحد يوم ولد ويوم ارتحل عن هذه الدنيا ويوم يبعث حيا .
وصلى الله على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين .