فلما قتل [ابن خضير] تقدم محمد ، فقاتل على جيفته فجعل يهذّ الناس هذّاً ، وكان أشبه الناس قتالاً بحمزة ، ولم يزل يقاتل حتى ضربه رجل دون شحمة أذنه اليمنى ، فبرك لركبتيه ، وجعل يذبّ عن نفسه ، ويقول ويحكم أنا ابن نبيكم محرَج مظلوم ، فطعنه ابن قحطبة في صدره فصرعه ، ثم نزل إليه فاحتز رأسه ، وأتى به عيسى وهو لا يعرف من كثرة الدماء .
وقيل إن عيسى اتهم ابن قحطبة ، وكان في الخيل ، فقال له : ما أراك تبالغ
فقال له : أتتهمني فوالله لأضربن محمداً حين أراه بالسيف ، أو أُقتل دونه ، قال فمر به وهو مقتول فضربه ليبرّ يمينه .
ولمّا أُتي عيسى [بن موسى] برأس محمد ، قال لأصحابه ما تقولون فيه فوقعوا فيه ، فقال بعضهم كذبتم ما لهذا قاتلناه ، ولكنه خالف أمير المؤمنين وشق عصا المسلمين ، وإن كان لصوّاماً قوّاماً فسكتوا ، فأرسل عيسى بن موسى الرأس إلى المنصور ، مع محمد بن أبي الكرام بن عبدالله بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، والبشارة مع القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأرسل معه رؤوس بني شجاع ، فأمر المنصور فطيف برأس محمد في الكوفة ، وسيره إلى الآفاق .
ولما رأى المنصور رؤوس بني شجاع ، قال هكذا فليكن الناس ، طلبت محمداً فاشتمل عليه هؤلاء ، ثم نقلوه وانتقلوا معه ، ثم قاتلوا معه حتى قتلوا .
وكان قتل محمد وأصحابه يوم الاثنين بعد العصر لأربع عشرة خلت من شهر رمضان .
وكان المنصور قد بلغه أن عيسى بن موسى قد هزم ، فقال كلا ، أين لعب صبياننا بها على المنابر ، ومشورة النساء ما أتى كذلك بعد (١) ، ثم بلغه أن محمداً هرب ، فقال :
كلا إنا أهل بيت لا نفر ، فجاءته بعد ذلك الرؤوس .
ولمّا وصل رأس محمد إلى المنصور ، وكان الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عنده ، فلما رأى الرأس عظم عليه ، فتجلد خوفاً من المنصور ، وقال لنقيب المنصور أهو ؟
قال : هو فلذهم ، وقال لوددت أن الركانة إلى طاعته ، وأنه لم يكن فعل ولا قال ، وإلا فأم موسى طالق ، وكانت غاية أيمانه ، ولكنه أراد قتله ، وكانت نفسه أكرم علينا من نفسه ، فبصق بعض الغلمان في وجهه ، فأمر المنصور بأنفه فكسر عقوبة له .
ولما ورد الخبر بقتل محمد على أخيه إبراهيم بالبصرة ، كان يوم العيد ، فخرج فصلى بالناس ، ونعاه على المنبر وأظهر الجزع عليه ، وتمثل على المنبر :
أبا المنازل يا خير الفوارس من
يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا
الله يعلم أني لو خشيتهم
وأوجس القلب من خوف لهم فزعا
لم يقتلوه ولم أُسلم أخي أبداً
حتى نموت جميعاً أو نعيش معا
ولما قتل محمد أرسل عيسى بن موسى ألوية فنصبت في مواضع بالمدينة ، ونادى مناديه من دخل تحت لواء منها فهو آمن ، وأخذ أصحاب محمد فصلبهم ، ما بين ثنية الوداع إلى دار عمر بن عبد العزيز صفَّين ، ووكل بخشبة ابن خضير من يحفظها ، فاحتمله قوم من الليل فواروه سراً ، وبقي الآخرون ثلاثاً فأمر بهم عيسى [بن موسى] فأُلقوا على مقابر اليهود ، ثم أُلقوا بعد ذلك في خندق بأصل ذباب ، فأرسلت زينب بنت عبد الله ، أخت محمد وابنته فاطمة ، إلى عيسى [بن موسى] إنكم قد قتلتموه وقضيتم حاجتكم منه ، فلو أذنتم لنا في دفنه ، فأذن لهما فدفن بالبقيع .




