لم يكتفِ بنو العبّاس بقتل ذرّية علي (؏) قتلاً عادياً ، بل أخذوا يتفننون في قتلهم ، بطرق لم يسبقهم إليها سابق ، فأخذوا يضعون العلويين في الأسطوانات وهم أحياء ثم يملأُون الأسطوانة طيناً وجصّاً ، حتى يموت العلوي معذباً ، ويستغيث فلا يغاث إلا بالطين والجص ، كما يروي المؤرخون .
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) :
انه لما بنى المنصور الأبنية ببغداد جعل يطلب العلوية طلباً شديداً ، ويجعل من ظفر منهم في الأسطوانات المجوفة المبنية من الجصّ والآجرّ ، فظفر ذات يوم بغلام متهم ، حسن الوجه ، عليه شعر أسود من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب (؏) ، فسلمه إلى البنّاء الذي كان يبني له ، وأمره أن يجعله في جوف أسطوانة ، ويبني عليه ، ووكل عليه من ثقاته من يراعي ذلك حتى يجعله في جوف أسطوانة بمشهده ، فجعله البنّاء في جوف أسطوانة ، فدخلته رقة عليه ورحمة له ، فترك في الأسطوانة فرجة يدخل منها الرَّوْح .
فقال للغلام : لا بأس عليك فاصبر ، فإني سأُخرجك من جوف هذه الأسطوانة إذا جنَّ الليل ، فلما جنَّ الليل جاء البناء في ظلمة ، فأخرج ذلك العلوي من جوف تلك الأسطوانة ،
وقال له : اتقِ الله في دمي ودم الفعلة الذين معي ، وغيِّب شخصك فإني إنما أخرجتك في ظلمة هذه الليلة من جوف هذه الأسطوانة ، لأني خفت إن تركتك في جوفها أن يكون جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة خصمي بين يدي الله عز وجل ، ثم أخذ شعره بآلات الجصاصين كما أمكن ،
وقال : غيِّب شخصك وانجُ بنفسك ولا ترجع إلى أمك .
فقال الغلام : فإن كان هذا هكذا فعرّف أمي أني قد نجوت وهربت ، لتطيب نفسها ويقلّ جزعها وبكاؤها ، وإن لم يكن لعودي إليها وجه ، فهرب الغلام ولا يدرى أين قصد من وجه أرض الله تعالى ، ولا إلى أي بلد وقع ؟!
قال ذلك البنّاء : وقد كان الغلام عرّفني مكان أمه وأعطاني العلامة ، فأنهيت إليها في الموضع الذي دلني عليه ، فسمعت دوياً كدوي النحل من البكاء ، فعلمت أنها أمه ، فدنوت منها وعرّفتها خبر ابنها ، وأعطيتها شعره وانصرفت (۱) .
فتجد بني العباس يفتخرون بما فعلوا في ذرية علي وفاطمة الزهراء (؏) ، كما روي عن محمد الاسقنطوري وكان وزيراً للدوانيقي ، وكان يقول بإمامة الصادق - صلوات الله عليه -
قال : دخلت يوماً على الخليفة هو يفكر ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الفكرة؟
قال : قتلت من ذرية فاطمة ألفاً أو يزيدون ، وتركت سيدهم ومولاهم وإمامهم .
فقلت : ومن ذلك يا أمير المؤمنين ؟
قال : جعفر بن محمد (۲) .
حتى إن المنصور أمر بحرق بيت الإمام جعفر الصادق (؏) ، وجَّه إلى الحسن بن يزيد والي المدينة أن أحرق الدار على جعفر بن محمد الصادق ، ففعل الوالي ، فأخذت النار في الباب والدهليز ، فخرج أبو عبدالله يتخطى النار ويمشي فيها ،
ويقول : أنا ابن أعراق الثرى !! أنا ابن إبراهيم خليل الله !! (۳) .