خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
السعادة
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين .
هناك من يرى السعادة في الوصول إلى الشهرة والحصول على السمعة والوصول إلى السلطة وإمساك زمام الحكم وجمع المال وتضخم الثروة ، وهناك من يرى السعادة في كسب العلوم والمعارف وتحصيل الجاه شبه المعنوي ، !!
ولكن أحداً من هؤلاء لم يظفر بالمراد الواقعي ، ولم يحتضن عروس المنى ، ولن ينال ذلك . !!
قد يتصور مسكين من هؤلاء أنه ظفر بمناه ونال مراده ، ولكن يكتشف خطأه بعد فترة وجيزة ، ويعرف أنه طيلة السنوات الماضية كان الفاصل بينه وبين أماله كبيراً جداً .
ما من غافل قضى حياته كلها في الغفلة والسكر ، وتصور لنفسه نوعا من الراحة كما يتصور الأطفال والمجانين لأنفسهم ، إلا ويستيقظ يوماً ويكتشف أنه قضى عمره الشريف في الغفلة والغرور .
إن من الواضح أنه كلما أزدادت ثروة الشخص وشهرته وأتسع نطاق رئاسته وهي آمال سامية لأغلب الناس - فأن محنته وألمه وهمومه تزداد ، وهذه نتيجة عكسية .
أرأيت تاجراً يملك الثروات الضخمة الطائلة ، وقد أفلس ؟! هل شاهدت عاشقاً تركته عشيقته وولت لغيره ؟!.
عند ذاك تجد السخرية تتعالى على شفاه المحبوب ، نكاية بهذا العاشق الوامق الذي سخر كيانه من أجله .
وأن طال الزمن ، فإن الضربة الموجعة التي يتلقاها العاشق عند موته حين يفارق الأماني والآمال كافية لهدم كل ذلك البنيان .
فلو وجه هذا الإنسان إهتمامه نحو المحبوب الحقيقي ، واشتغل بالنظر إلى جمال الجميل المطلق !!
وقام بأعماله الدنيوية ابتغاء لمرضاة الحق وخدمة عباده ، فإن روحه وجسمه سيتمتعان بالراحة التامة الى الأبد .
إن عشاق الشهوة والثروة ، ورواد الشهرة والجاه وطلاب السلطة والرئاسة يلفظون أنفاسهم الأخيرة بحسرة وندم ، أما عشاق الحق والحقيقة فإنهم يحومون كالفراشة حول الشمعة ، وكلهم إستقرار وهدوء ، يسيرون نحو الموت بشوق ولهفة .
انهم يستقبلون الموت والآلام التي هي أشد مصيبة من الموت بصدر رحب ، وما يبعث على العجب ، ويلفت الانتباه أنهم لا يتحسرون أبدا ولا يحسون بالألم والمحنة .
فهذا ميثم التمار !!
قطعت يداه ورجلاه في سبيل المحبوب ، وقد صلب على المشنقة ولكنه يطل من أعلى المشنقة بإبتسامة عريضة ، وشوق شديد ، ويصف حبيبه . ويذكر فضائل مولاه ساخراً من الإعدام والشنق .
كل الأنبياء والأولياء والمجاهدين في سبيل الله حلقات مشرقة في هذه السلسلة الذهبية ، بحيث أدوا واجباتهم لا يعرفون الكلل والملل ، ولم يلوثوا أذيالهم بدرن الحياة ، ولم يخالطوا العشق الحقيقي بالتعلق الموهوم ، كل واحد من الأنبياء ورجال الله يمتاز بحياة مشرقة وصور مشرفة من الجهاد والتضحية .
كل واحد منهم حقق أعلى المستويات في الفداء وتحمل المشاق .
إلا أن لعشاق الشهادة في كربلاء ملحمة بطولية أعظم ، ولتضحياتهم يوم عاشوراء لوناً آخر لا يضاهيه أحد في هذا الكون ، أنهم لم يبقوا لأي عاشق صادق مجالاً ينازعهم فيه .
كأنهم نسور عالم اللاهوت !!
حطموا قفص الجسد ، بكل عشق وحبور ، وحلقوا بكل سرور ونشاط إلى الوكر الأسمى والمحل الأسنى ، حيث (شجرة طوبى) .
لقد قدّم سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام ، هذا الرائد لموكب العاشقين !!
والقائد الفذ لمسيرة التضحية والفداء !!
في تلك الحلبة ، صوراً رائعة من البطولة ونكران الذات والإنجذاب نحو جمال الحق ، بحيث لم يكتف بتحيير عظماء العالم فقط ، بل حير ملائكة السماء أيضاً وجعلها مبهورة للعظمة والعشق والتفاني .
ولقد ربى في مدرسته العظيمة تلامذة ضربوا أروع الأمثال في التضحية والفداء ، بحيث يخجل العاشقون من التباهي أمامهم !!.