المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
فلسفة المساواة الإجتماعية في الصوم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين آمين رب العالمين .
إن شهر رمضان موسم عظیم و شهر شريف كريم ، هو غرة الزمان ، ومتجر أهل الإيمان خصه الله بإنزال القرآن ، وأوجب فيه على المؤمنين الصيام ذلك بأن الله سبحانه يختص برحمته من يشاء ، فيفضل إنساناً على إنسان ، ومكاناً على مكان وزماناً على زمان ، وقد خص الله بالتفضيل شهر رمضان حيث أنزل فيه القرآن ، وأوجب فيه على المؤمنين الصيام ، وجعله شهر جد واجتهاد ، ومزرعة العباد ، وتطهير للقلوب من الفساد وقنع لشهوة الشره والعناد فمن زرع خيراً حمد عاقبة أمره وقت الحصاد .
شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار .
وقد أقسم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أنه ما مرَ بالمسلمين شهر خير لهم من رمضان .
يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ، ويحط الخطيئة ويستجيب الدعاء .
ينظر الله إلى تنافسكم في الخيرات ، وتسابقكم إلى الصلاة والأعمال الصالحات ، وبسط أيديكم بالصدقات . فيباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، فإن المحروم من حرم فيه رحمة الله عز وجل .
من منا ينكر ما يحدثه الصوم في شهر رمضان من هزة روحية اجتماعية .
إن تلك المساواة الرائعة والمشاركة العفوية في ساعات الصوم بين الغني والفقير في تحمل أذى الجوع والعطش والمعاناة ، ممزوجة بالحنين والشعور العميق بالحب والراحة على الرغم من عذاب الصوم ومسؤولياته ؟
إن من روائع الصوم أن يجعل هموم الفقراء والبؤساء تجربة حية يعانيها الأغنياء بأنفسهم ، ويعيشونها على الطبيعة ، حتى يكون الجوع بريق عيونهم ، ويتوهج العطش في الشفاه المشققة ، وتتحرك مأساة البائسين في ضمائرهم وقلوبهم وعقولهم ، لتبقى شهادة حية تدين كل استغلال للضعيف أو أحتكار أو ظلم أو سرقة .
ويكون ذلك (أي الجوع والعطش) واعظاً لهم في العاجل ، ورائضاً لهم على أداء ما كلفهم ، ودليلاً لهم في الأجل ..
وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقراء والمسكنة في الدنيا ، فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم .
وهنا نضع أيدينا على جزء من فلسفة الصوم والجوع الإرادي الموظف لمصلحة المجتمع وخدمة البائسين ... فنتأكد أن الصوم ليس مجرد عبادة ذاتية ، منعزلة عن الحياة ، بل هو عمل متجاوب مع الله والمجتمع معاً …
وأن حب الله يتمثل بأجلى صورة في حب المساكين والفقراء والبائسين .