عيد الغدير



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

١٩ ذي الحجة ١٤٣٩هـ


عيد الغدير


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين آمين يا رب العالمين .


قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحين :

{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} (المائدة:٩٧) . 


أجمل التهاني و التبريكات إلى مقام صاحب العصر و الزمان الحجة ابن الحسن المهدي المنتظر (ع ج) بمناسبة عيد الله الأكبر ، عيد الغدير الأغر ، عيد الولاية الحقيقية وأهل البيت (ع) . 


أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشائخنا العظام ، العلماء ، ضيوفنا المحترمون ، شبابنا الأعزاء ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 


في هذه الأيام المباركة يعيش المسلمون البهجة والسرور في عيد الأضحى ، ففي أجواء هذا الفرح نجد أنفسنا ننتقل إلى فرحٍ جديد ، هو إمتداد للفرح الأول ، وهو عيد الغدير الذي هو من المناسبات الإسلامية الكبرى ، التي تم فيها تنصيب الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) إماماً وقائداً للأمة من بعده ، وكان ذلك في السنة العاشرة للهجرة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة بعد إنتهاء النبي من حجة الوداع وخروجه من مكة بإتجاه المدينة . 


يعتبر عيد الغدير من أهم المناسبات الإسلامية التي تستحق الإهتمام والإحياء و العناية لأهمية مضمونها حتى يمكن الإستفادة منها بشكلٍ صحيح ، وما أكثر المناسبات الإسلامية الهامة التي لا يتم التركيز فيها ، على معانيها ومضامينها العالية بالشكل الصحيح ، مما يحرم الناس الإستفادة الحقيقية منها ، ومناسبة عيد الغدير نزل في شأنها نصوص قرآنية أبرزها آية التبليغ من سورة المائدة التي تلوتها في أول الخطبة ، وتواترت الأحاديث حول نزول هذه الآية الشريفة بخصوص إمامة وخلافة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) ، والمقصود بأمره تعالى في الآية للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) {بَلِّغْ} ، أي على النبي أن يبلغ المسلمين بإمامة وخلافة علي (ع) من بعده .


ذكر المحدثون والمفسرون خطبة النبي في المسلمين في عيد الغدير وفيها الكثير من الأمور الهامة التي يحسن من المسلمين دراستها و الوقوف عليها . 


وهنا نذكر بعض الأحاديث حول عيد الغدير التي رواها بعض المحدثين :


أخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد ابن علقم قال : 

«لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ، ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن (أي فكنسن) ، 

ثم قال : كأني قد دُعيت فأجبت ، وإني تاركٌ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله ، وعِتْرتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض .

ثم قال : إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ، 

ثم إنه أخذ بيد علي رضي الله عنه 

وقال : من كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعادي من عاداه»


ويوجد في هذا الحديث إشارة إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  ،ضمّن خطبته في عيد الغدير حديث الثقلين ، وذلك للإشارة إلى إمامة أهل البيت عليهم السلام ، إمامة الحسن و الحسين والأئمة التسعة من ذرية الإمام الحسين صلوات الله عليهم أجمعين ، إلاّ أن التعرض لإمامة علي (ع) بشكلٍ خاص ، لأن إمامته تأتي أولاً وتعقبها إمامة الأئمة الأحد عشر ، وحسب ما رتبها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) طبقاً للوحي ، ونستوحي مما تقدم أن عيد الغدير هو عيد الإمامة العامة لأهل البيت (ع) ، لذا لا بد من التركيز عليها في عيد الغدير .


نعم ، فعندما نتصفح كتاب التاريخ نجد أن الشخصية العظيمة الوحيدة الذي كان بمنزل نفس الرسول في خصائصه ومواصفاته هو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) فقط ، وأن هذا الرداء الملكوتي لا يمكن أن يرتديه أحدٌ غيره ، وهو الوحيد القادر على حفظ هذه الأمانه وتحمل مسؤولية الدين الإسلامي الحنيف ، صاحب الولاية الكلية الإلهية وصاحب الولاية العظمى المطلقة التشريعية والتكوينية ومن بعده أولاده الطاهرين (ع) .


إن الله سبحانه ورسوله الأكرم إختصا كرسي الولاية المطلقة والخلافة بأمير المؤمنين وأولاده الطاهرين صلوات الله عليهم ، لأن لا أحد سواهم يستحق ذلك الموقع والمكانة ، ومن كان له أدنى معرفة بتاريخ الإسلام وتبصّر بعين الحقيقة المجردة يجد صحة هذا الكلام جلياً وواضحاً . 


إن الإنسان الذي ليس لديه ولاية علي وآل علي عليهم السلام هو في الواقع فاقد للتوحيد أيضاً ، وأن توحيده ناقص لا محاله ، أن نشأة التوحيد الكامل هو الإلتزام الواضح لولاية المعصومين الأربعة عشر (ع) ، كل من يحمل ولاية محمد وآل محمد (ع) بين جوانحه فهو يملك كل شيء حتى لو لم يملك شيء آخر ، ومن لا يحمل الولاية في قلبه فهو لا يملك أي شيء حتى لو كان يملك كل شيء .


إن جوهرة الولاية عظيمة خالدة ، تتقوى بها على ضمان الحياة الأبدية والخلود السرمدي ، فهي النقطة المركزية لأعضائنا وجوارحنا ، تمثل حقيقة ذاتنا الطاهرة ، جعلني الله و إياكم من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين (ع) وأولاده الطاهرين سلام الله عليهم . 


أيها الإخوان ، أعزائي ،

صاحب يوم الغدير أمير المؤمنين علي (ع) قال :

«أما إنه ليس بين الحق والباطل إلا أربع أصابع (فسئل عليه السلام عن معنى قوله هذا ، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه) .

ثم قال : الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت» .


لا بد أن ترى الحق بعينك شخصياً ولا غير ذلك ، فعلينا جميعاً الرفق في الأفكار والمواقف التي نتخذها في كل ما يجدُّ بنا من الحوادث والملمات ، وعدم العجلة في إطلاق التصريحات المشينة ، فإنها ليست من منهج الإسلام ، وخاصة في زمن الفتن ، ومن المؤكد نمو الإتجاهات التعصبية تُفقد المجتع وحدته وإستقراره .


نحن الآن نحتاج إلى التسامح والتساهل ووحدة وإستقرار ، ألا تحبون أن يعلو صوتنا ، وتحقق مطالبنا ، اليوم يوم الوحدة ، أيها المؤمنون ، يا شيعة علي عليه السلام ، أيها الأوحديون العلويون المخلصون الولائيون ، اتركوا القيل والقال وتمسكوا بالحق ، الحق يعلو ولا يعلى عليه . 


اليوم يوم شروق شمس الولاية ، مفتاح علوم أهل البيت عليهم السلام ، الحكيم الكبريائي ، الشيخ أحمد ابن زين الدين الإحسائي أعلى الله مقامه الشريف ، اغتنموا الفرصة وانشروا علوم أهل بيت العصمة والطهارة عن طريق مدرستنا مدرسة الأوحد ، رحم الله الشيخ الأوحد ، أحمد ابن زين الدين الإحسائي قائد هذه المدرسة ، والسيد الأمجد ، السيد كاظم الرشتي ، والميرزا حسن گوهر ، وعمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي المظلوم خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، كما إننا لا ننسى الشهداء السعداء شهداء الصلاة و الصيام في جامع الإمام الصادق (ع) ، والشهداء الكرام الذين وافتهم المنية في تشييع والدي المعظم .


اللهم إشفي مرضانا ، و إرحم موتانا ، وسلم ديننا ودنيانا ، وعجل فرج مولانا صاحب العصر والزمان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .