خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٩ ذي القعدة ١٤٣٥هـ
مولد الإمام الرضا (ع)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين آمين يا رب العالمين .
قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه :
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:٣٥) .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، علمائنا الأعزاء ، مشائخنا الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام المباركة ذكرى مولد ثامن الأئمة ، وضامن الجنة ، أبي الحسن الثاني علي ابن موسى الرضا (ع) .
أهنئكم بهذه المناسبة الشريفة ، وتيمناً وتبركاً بهذه المناسبة العطرة العظيمة أنقل حديثاً عن الرسول الأعظم صلوات الله عليه ، في علو مقامه عليه السلام .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ستدفن بضعة منّي بخراسان مازارها مؤمن إِلاّ أوجب الله له الجنة وحرُمَ جسمه على النار» .
ونبارك مجلسنا روايةً من ثامن الأئمة ، قال الإمام علي ابن موسى الرضا (ع) : «من زراني على بعد داري ، آتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن ، حتى أخلّصه من أهوالها ، إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً ، وعند الصراط ، وعند الميزان» .
نأمل من الله العظيم أن يرزقنا زيارته (ع) عاجلاً بخراسان .
نوروا مجلسنا بالصلوات على محمد وآل محمد .
في الجلسة الماضية ذكرنا أن الوسيلة الأعظم لحفظ الإسلام والقرآن والديانة ، هو الرسول الأكرم وآله الأئمة الأطهار ، علي وآل علي عليهم السلام ، والذين اتخذوا من دونهم أولياء فهم في الضلالة ، والمفتاح المعتمد لمعرفة الإمام والطريق الأسهل لإدراك فضائلهم هو الزيارة الجامعة الكبيرة والشرح الذي علَّق شيخنا الأوحد أحمد ابن زين الدين الإحسائي عليها .
بعد المطالعة والتحقيق والتدقيق بالمعاني والمطالب فيها نصل إلى هذه النتيجة أنهم عليهم السلام خزّان علم الله جل جلاله ، وأن الله أعطاهم اسم الله الأعظم ، وعندهم عليهم السلام علم ما في السماوات وما في الأرض ، وعلم ما كان وعلم ما يكون ، وما يحدث بالليل والنهار وساعةً وساعة ، وعندهم علم النبيين وزيادة ، وإنهم (ع) إذا شاؤوا أن يعلموا علموا ، وأن قلوبهم مورد إرادة الله سبحانه ، إذا شاء شيئاً شاؤوه ، وأنه سبحانه وتعالى أيدهم (ع) بروح القدس الذي به عرفوا الأشياء ، وأنهم (ع) لا يحجب عنهم شيءٌ من أمر الناس ، ويعرفون الرجل بحقيقة الإيمان والنفاق ، والمحب لهم و المبغض ، وإن عندهم علم المنايا والبلايا ، عندهم أسماء الملوك ، ومصحف فاطمة (ع) ، وإنهم موضع سر الله جل جلاله ، لأنهم حجته على عباده ، وخلفاءه في بلاده على الأواخر والأوائل ، وجعلهم الله تبارك وتعالى عِلماً بيِّناً وحادياً نيِّراً ، حججُ الله ودعاتهُ على خلقه ، يدين بدينهم على العباد ، وتستحل بنورهم البلاد ، وينموا ببركتهم التِلاد ، وجعلهم الله حياةً للأنام ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام ، ودعائم للإسلام ، جرت بذلك فيهم تقادير الله على محتومها ، فهم الهداة المنتجبون ، والقِوام المرتجون ، إصطفاهم الله بذلك و استودعهم سرّهُ ، واستحفظهم علمه ، واستحباهم حكمته ، واسترعاهم بدينه ، وانتدبهم لعظيم أمره ، واحباهم مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده ، فقام بهم العدل ، إن تحيُرَ أهل الجهل ، فهم الصراط المستقيم ، والحق القويم ، فاز ولاّهم ، وخاب من عاداهم ، عليهم أفضل الصلاة وأكمل التحيات .
وإنهم عليهم السلام نورٌ واحد ، وإن أنوارهم وأرواحهم و طينتهم واحدة ، ففيما يختص بنور النبي الأعظم ونور أمير المؤمنين ، فقد قال فيه القرآن الجليل {وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ} ، ولمّا كان أمير المؤمنين نفس النبي بإقرار القرآن له ، كان ما للنبي الأكرم ما خلى النبوة ، فالنبي الأعظم لمّا أقامه الله في سائر العوالم في الأداء مقامه ، وهي ولايته على الكائنات كان لوليّه بالحق أمير المؤمنين عين تلك الولاية ، لأنه عين ذلك النور : «أنا من أحمد كالضوء من الضوء» ، إلا أن نور النبي أسبق في الوجود ، لذلك قال أمير المؤمنين (ع) في رواية : «إن النبي الأعظم أعلم مني بحرفٍ» ، وهو أسبقية نور النبي للوجود ، وكل ما لأمير المؤمنين فهو لأبنائه الطيبين الطاهرين ما خلى مقام الإمارة ، فلا يسمى بأمير المؤمنين إلا علي ابن أبي طالب (ع) ، لأنه هو الذي «يميرهم العلم ميرا» .
أما فيما يختص بالخلق وتدبير شؤوناتها والنظر فيما يتعلق بصلاح أمورها والامور التي أشرنا من قبل فهم فيه سواء ، «أولنا محمد ، أوسطنا محمد ، آخرنا محمد ، بل كلنا محمد» .
وصلوات على محمد وآل محمد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .