تفسير الإستقامة



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

٨ شوال ١٤٣١هـ


تفسير الإستقامة


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .


قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم 

{إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} . (سورة فصلت:٣٠) .


أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشائخنا العظام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


تقبل الله أعمالكم وطاعاتكم في شهر الله العظيم المبارك ، وأسعد الله أيامكم ودمتم سالمين بحق محمد وآله الطاهرين .


قال إمامنا الصادق (ع) : «إذا مات العالم الفقيه ، ثُلِمَ في الإسلام ثُلمةً لا يسدها شيء» .


لم تمر ثلاث أعوام على فقدنا لمرجعنا الإمام المصلح والعبد الصالح آية المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي (قدس) ، حتى تجدد حزننا ومصابنا بفقد نجله خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الآحقاقي (قدس) ، في ثاني يوم من عيد الفطر ، وما مرت إلا أياما معدودة حتى فقدنا كوكبة من شبابنا المؤمنين في حادث أليم في طريق عودتهم إلى الكويت المحبوب من تشييع مرجعنا الراحل وبعد زيارتهم لمراقد الأئمة عليهم السلام ، 


في هذا المجلس العظيم بعد مرور سبع سنوات نعزي صاحب العصر والزمان (عج) في فقدان والدي معتمدي ورجاي آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، وكوكبة الشهداء السعداء من المؤمنين الذين ودّعوا الحياة وإلتحقوا بالحسين (ع) ، فهنيئا لك يا مولاي مجاورتك لحبيبك الإمام الحسين (ع) ، وهنيئا للشهداء لم يفارقوا خادم الشريعة أبدا ، لروحهم صلوات .


وبعدُ ، 

يذكر أمير المؤمنين في خطبة في تفسير الآية المباركة التي تلوت في أول عرائضي : 

«وقد قلتم ربنا الله ، فإستقيموا على كتابه ، وعلى منهاج أمره ، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ، ثم لا تمرقوا منها ، ولا تبتعدوا فيها ، ولا تخالفوا عنها ، فإن أهل المروقْ منقطعٌ بهم عند الله يوم القيامة» .


وفي حديث من الرسول الأكرم صلوات الله عليه وعلى أولاده عندما تلى هذه الآية فأضاف : 

«قد قالها الناس ، ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حتى يموت فهو ممن إستقام عليها»


وأيضا مولانا ثامن الأئمة علي بن موسى الرضا (ع) في تفسير الإستقامة عندما سئل عنها قال : 

«هي والله ما أنتم عليه» ، يعني الإستقامة هي الولاية ، الولاية التي أنتم تملكونها ، لأن قبول الولاية يظمن بقاء التوحيد ومنهج الإسلام الأصيل والمداومة في العمل الصالح .


إخواني الأعزاء إنقضى شهر الله ، شهر ضيافة الرحمن ، الشهر الذي إنفتحت فيه أبواب الخير وإستضافنا الجليل تحت كساء الرحمة والمغفرة والتوبة ليبني منا الإنسان الكامل الولائي ، وذلك عن طريق منهج سماوي وتربية إلهية ، الضيافة التي إبتدأت بتلألؤ النور والرحمة والمرحمة ، ودامت شهراً روحانياً بما فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وهذا إبتداء السبيل الذي نحن مسافرون فيه بمدة أحد عشر شهراً إلى رمضانٍ آخر ، فعلينا أن نحذر من أن نفقد المقامات التي جنيناها بكرم من ذلك المضيف الرحيم وبمنٍ من الله تبارك وتعالى .


 شبابنا ؛ 

يتدرب الرياضيون على الفنون أنفسهم بمدة طويلة على سنين ليلاً ونهاراً ليهيئوا ذواتهم للمشاركة في المسابقات الهامة التي تطيل يوما أو بعض يوم فحسب ، وفي أحسن الأحوال يحصلون في هذه الميادين على ميدالية أو مقام من مقامات الدنيا ، يفتخرون به أنفسهم وشعبهم هذا أمر مقبول وغير مردود عندنا ، 


ولكنني أقول  : لقد زرعتم في مثل هذا الشهر العظيم رياضاً غنّاء من التقوى بالرياضة ، وبعد ما كنتم مع الله في مقام الأُنس والمحبة ، فسمعتم النداء الإلهي من جانب الطور الأيمن ، فتلذّذتم بمناجاة الحبيب ، وشربتم أنوار المحبة ، وحصلتم المدالية التي لها الشأن الدنوي والأخروي لا قيمة لها ، وتنفستم روائح الجنة فلا تلوثون نفوسكم بالمعاصي بالجديد ، ولا تلقوا على قلوبكم حجباً تحرمكم من الدخول إلى حظيرة القدس ، 


عندما قال الإمام السجاد في دعائه في وداع شهر رمضان : «أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إِلَى عَفْوِكَ وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، وَجَعَلْتَ عَلَى ذَلِكَ البَابِ دَلِيلًا مِنْ وَحْيِكَ لِئَلَّا يَضِلُّوا عَنْهُ ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ : 

{تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ}»  


فما عذر من أغفل دخول ذلك المنزل بعد فتح الباب وإقامة الطريق ؟؟

 

في هذا المحفل العظيم وفي هذا اليوم العزيز ، أريد أن أقول نحن تابعوا مدرسة الشيخ الأوحد مدينون لشيخنا الأوحد ، والسيد الأمجد ، وميرزا حسن الگوهر ، وكل عالم علَّمنا منهج الإستقامة ، أعني الولاية العلوية التي فيها مقامات المعصومين ومراتبهم الأربعة عشر عليهم السلام التي رتبهم الله فيها من الولاية الكلية الإلهية على جميع العوالم الكونية والإمكانية ، وكل المجموعات الشمسية بإحاطة علمهم بجميع الذرات الوجودية ، وكونهم الوسائط في الإفاضات الشرعية والكونية إلى غيرها من الفضائل .


ولله الحمد رجالنا ونساؤنا وأبناؤنا وبناتنا يسلكون في هذا الخط المبارك ، خاصة مشائخنا العظام ووكلاءنا في الإحساء والكويت ، يتعبون أنفسهم في إعلاء كلمة الحق والإسلام الأصيل ، ونشر فضائل أهل البيت ومناقبهم وعلى رؤوسهم أبوصادق الشيخ عبدالله نجم المزيدي معتمدي ورجائي ، في الكويت المحبوب ، والأخ الفاضل العالم الشيخ توفيق البوعلي في الأحساء ، أرض الولاء والوفاء ووكلاءنا في سائر البلاد حفظهم الله جميعا من كل سوء ، ونطلب من الله التوفيق والسداد لهم في هذا المجال .


وفي الخاتمة أبارك كلامي بحديث من الإمام السجاد (ع) حين قال : 

«من ثبت على موالتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عز وجل أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأحد» .


وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : 

«يا علي ، واعلم أن أعحب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قومٌ يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبي وحجبتهم الحجة فآمنوا بسوادٍ على بياض» .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .