ذكرى حياة وإستشهاد الإمام الجواد (ع)



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

٢٥ ذي القعدة ١٤٣٨هـ


 ذكرى حياة وإستشهاد الإمام الجواد (ع)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .


أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشائخنا العظام ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


في ذكرى إستشهاد الإمام الجواد (ع) حيث قبض ببغداد في آخر ذي القعدة سنه ٢٢٠هـ ، وله من العمر ٢٥ سنه .  ولقد إستشهد غدراً وظلماً كآبائه عليهم السلام ، كما ورد عنهم : «ما منا إلا مقتول أو مسموم» .


ووريَ جثمانه الطاهر مع جده الكاظم (ع) وخلف ابنه علي الهادي بالحق ، فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم إستشهد ويوم يبعث حيا . 


وقد إجتمعت المصادر التاريخية أن الإمام الجواد توفي أبوه الرضا (ع) وعمره ٨ سنين أو ٧ سنين وأربع أشهر ، وتولى أمور الإمامه بعد أبيه وهو صغير ، فامتاز الإمام محمد ابن علي الجواد (ع) عن بقية الأئمة (ع) بميزة ، وهي تحمله لتكاليف الإمامه وهو بعد لم يبلغ الحلم .


وقد كان لهذه الحادثة في تلك المرحله الحساسه من تاريخ المسلمين دورٌ كبير في بلورة حقيقة مقام الإمامة في عقيدة أتباع أهل البيت (ع) ، حيث برهن الإمام الجواد (ع) على أهلية أهل البيت (ع) للقيام بالإمامة وإن كانوا صغار .


في الواقع أن الزمان الذي عاشه الإمام الجواد (ع) ، تميز بوجود شخصية متميزة على صدة الحكم ، ذات دهاءٍ وعلمٍ واسع ، وطريقته في العمل تميزت عن غيرها من الشخصيات التي توالت على الحكم ، وتصدت لمواجهت الأئمة (ع) ، هو المأمون الذي يشهد له التاريخ بأنه أدهى بني العباس ، كما كان معاوية أدهى بني أمية . 


لقد إتبع المأمون سياسةً أخرى مع الشيعة ، تتركز على محاولة تضعيف الفكر الشيعي ، والطعن به من الداخل بشكلٍ يحدث زلزالاً في وجدانهم ، وعقائدهم ، ويقضي عليهم بشكلٍ لا تقوم لهم قائمةٌ أبدا .


وقد لاحظ أن الإمامة هي الحصن الأساسي لهذا الفكر ، من هنا كان سعيه بهذا الإتجاه من جهات عده ، أبرزها : 

محاولة تحطيم الولاية ، يعني هدم عقيدتهم بعلم الإمام (ع) ، من خلال مناظرات أبرز علماء عصره بحضور رؤساء القوم وأشرافهم ، علةً يحصل إشتباه أو توقف الإمام الجواد (ع) ، فيحصل المأمون على مراده ، 


لكن المناظرات التي أعدها المأمون لمواجهة الإمام كانت نتائجها عكسية ، وصارت سبباً في نشر التشيع وإظهار قوة الإمام (ع) . 


من المواقف القوية في حق هذا الإمام المعصوم (ع) : 

«ما قالهُ يحيى ابن أكثم قاضي وعالم زمانه في مجلس المأمون ، حينما طلب المأمون من يحيى ابن أكثم أن يطرح على الإمام مسألة يحرجه فيها ، 

فقال له : أتأذن لي جعلت فداك في مسألةٍ .

فقال له أبو جعفر الإمام الجواد (ع) : سل ما شئت .

قال يحيى : ما تقول في محرم قتل صيداً ؟؟

فقال الإمام الجواد (ع) : قتله في حل أو حرم؟ 

عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟

 قتله عمداً أو خطأ؟ 

حراً كان المحرم أو عبداً؟ 

كان صغيراً أو كبيراً؟ وكذا وكذا 

فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والإنكسار وتلجلج لسانه حتى عرف أهل المجلس أمره» .


علماً أن فرع الإمامة المقدسة ما هو إمتدادٌ لشجرة النبوة التي لا يشرط في أهلها قيودٌ متعارفة بين الناس ، كصغر السن أو ما شابهه ، وظل الأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين يرفعون هذا اللواء واحداً بعد الآخر ، مبينين بذلك حقانية المذهب وإستقامة الصراط ، 


فإذا نظرنا إلى تاريخ شيعة علي (ع) تجدهم صامدين أشد الصمود ، وفي أعلى درجات الإستقامة ، بوجه الحكام الجائرين من بني أمية وبني العباس ، رغم أنهم كانوا أقلية ما استطاعوا بفضل إستقامتهم تحت رعاية إمام زمانهم ، ولم يتأثروا بهاتين الإمبراطوريتين الجائرتين .


كانت الضربات قاضية والإضطهاد شديداً ، تتبعوهم وتتبعوا أئممتهم تحت كل حجرٍ ومدر ، فقتلوا منهم من قتلوا وشرّدوا من شرّدوا ، وهذه المناذج للإضطهاد وكانت تكوي لمحوِ أمةٍ بأسرها ، وكانت كفيلة لإزالة آثار ومعالم الدين الحنيف ، لكن ذلك كله لم ينجح ، بل إزداد عدد الشيعة يوماً بعد يوم ، من ظم إلى الموالين لأهل البيت (ع) جمعٌ غفير فزدادوا قوةً وتماسكاً .


لقد بلغ الشيعة في ظل الإيمان العميق ، والواقع الطاهر ، والتربية المعنوية إلى الدرجات العلية ، وبفضل الصمود والتصدي والإستقامة والثبات ، تغلبوا على خصومهم ، ورفعوا لواء التوحيد والتشيع ، الذي رفعته لأول مرة في التاريخ سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها . وبعدها قائدنا العظيم الإمام الحسين (ع) حين صمد في الدفع بوجه الطغيان و الإنحراف . 


أعزائي ، 

أيها المؤمنون وصلت هذه الأمانة الثمينة ، أعني لواء التشيع بأيدي علمائنا الماضين ، وهم الذين يدافعون عن هذا الكيان ، وعلينا أن نحفظ هذه الأمانة ، كما حفظها علماءنا الماضون ، وكان من أبرز هؤلاء العلماء العلامة شيخنا الأجل ، الأوحد ، أحمد ابن زين الدين الإحسائي ، وتلامذته الذين دافعوا عن التشيع والعقائد الحقة ، وصمدوا أمام الصعوبات . 


نطلب من الله العظيم أن يوفقنا للسلوك في طريقهم بحق محمد وآله الطاهرين . 


في الخاتمة لابد أن أذكر مسألةً تؤذيني كثيراً ، من المؤسف حقاً تجد البعض ، من يقوم بنشر الأكاذيب ، والأباطيل ، وكيد الإتهامات غير المشروعة ، وإلصاقها ببعض الأفاضل ، وبهذه الطريقة يشوشون أفكار الناس و المجتمع ، والمنافقون ، والمعاندون ، يكبِّرونها بتعمدٍ ، والبعض يكبِّرها بغير عمدٍ ، ومثل هذا تكون سبباً مباشراً لإثارة الفتنة ، والفساد بين طبقات المجتمع وأصنافه ، قال تعالى : 

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} .


ومن وصايا أمير المؤمنين علي (ع) للحسنين :

«كونا للظالم خصماً ، وللمظلوم عونا» .


وعلينا أن ندافع عن المظلوم ، ومن الذين هجم عليه الأعداء ظلماً من زمان جدي المقدس إلى الآن ، فهو وكيلي في منطقة الإحساء الشيخ توفيق البوعلي حفظه الله . 


اليوم في هذا المكان المقدس جامع الإمام الصادق (ع) وأمام المؤمنين ، أُبرِّئُ الشيخ توفيق البوعلي من التهم و ؤأيده مرةً أخرى ، وهو مازال ثقتي ، وأميني ، ووكيلي الأول في المملكة العربية السعودية ، كما أن معتمدي وراجي الفاضل الأمين الشيخ عبدالله نجم المزيدي أبا صادق أيده الله ، هو وكيلي الأول في الكويت الحبيبة ، حفظهم الله من كل مكروه .


قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يقول الله عز وجل : 

«وعزتي وجلالي ، لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله ، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره ولم ينصره» .


أطلب من أبناء هذه المدرسة الأوحدية الولائية توحيد الكلمة ، والسير في طريق واحد ، وترك القيل والقال حول الموضوع ، والدفاع عن المظلوم .


اللهم إشفي مرضانا ، وارحم موتانا ، منهم عمي المقدس آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي المظلوم خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، وسائر شهداءنا الأبرار ، والشهداء السعداء شهداء الصلاة والصيام جامع الإمام الصادق (ع) ، وسلم ديننا ودنيانا ، وعجل في فرج صاحبنا إمام العصر والزمان ، بحق محمد وآله الطاهرين . 


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .