العلامة الكبير فقيه أهل البيت الحكيم الكبريائي
مولانا الحاج ميرزا موسىٰ الإحقاقي الإسكوئي قدس سره
كيفية علم الله سبحانه بالجزئيات
السؤال الثالث : عن كيفية علم الله سبحانه بالجزئيات ؟
الجواب :
أقول : لم أذكر أحدا من أصحابنا الامامية يقول بعدم علم الله بالجزئيات ، نعم قالت الفلاسفة بأن الله لا يعلم الجزئي الزماني وإلا لزم كونه تعالى محلا للحوادث لان العلم عندهم هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم .
فلو فرض علمه بالجزئي الزماني على وجه يتغير ثم تغير فان بقيت الصورة الأولى كما كانت جهلا والا لكانت ذاته تعالى محلا للصور المتغيرة بحسب تغير الجزئيات .
نقول في جوابهم :
أولا - بالنقض بقولهم ان العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلوم وهم يقولون ايضا ان ذات الباري علة لجميع الأشياء ، فعلمه بذاته علم بجميع الاشياء ومن جملتها الجزئي الزماني فكيف لا يعلمه ؟
وثانيا : ان العلم هو حضور المعلوم لدى العالم فلا يلزم المحذور ، وقد برهنا على ذلك في كتاب تنزيه الحق (۱) ، مما لا مزيد عليه .
وثالثا : ان علمه تعالى ليس زائدا على ذاته بل علمه عين ذاته يعلم بذاته جميع الاشياء بحضورها لديه في امكنتها وحدودها و ازمنتها قبل ايجادها وبعد ايجادها وحين ايجادها على السواء ، ولا يلزم من تغيرها تغير الذات الذي هو العلم اذ ليس علمه بها في ذاته جل وعلا حتى يلزم التغير .
فثبت ان الله سبحانه يعلم جميع الاشياء كليها وجزئيها ذاتيها وعرضيها مجردها وماديها قبل وجودها وبعد وجودها وحين وجودها في امكنتها وحدودها بحضورها لديه بلا تنقل ولا تجدد ولا انتظار ولا تغير حال سبحانه وتعالى عما يقولون .
فان قلت : اذا كان علمه تعالى عين ذاته فكيف يكون المعصومون الاربعة عشر (عليهم السلام) خزان علمه وعيبة علمه (۲) فيلزم أن يكونوا خزانه ذاته وعيبة ذاته وهو كفر صريح .
قلت : إن لله عز وجل علمين علم عين ذاته قل علم او قل ذات من قبيل الالفاظ المترادفة .
وعلم حادث خلقه وسماه بالعلم وهو الذي علمه انبياءه ورسله وجعل المعصومين الاربعة عشر خزانة وعيبته وقد عقد الكليني عليه الرحمة » في ذلك بابا في ( اصول الكافي ) (۱) .
بعبارة اخرى للعلم اطلاقان :
مرة يطلق ويراد به ( العلم الذاتي ) .
ومرة يطلق ويراد به ( العلم الحادث ) .
ونسب اليه عز وجل تشريفا له كنسبة الروح اليه في قوله تعالى : {ونفخت فيه من روحي} (٢) .
فالمراد من العلم فيما ورد ان المعصومين خزان علمه وعيبة علمه هو هذا العلم لا ( العلم القديم ) (٣) .
وقد بسطنا الكلام فيه في ذلك الكتاب وليس لي مجال الاطالة فيه الآن .
وكان يعجبني ورود هذه المسألة في غير هذا الوقت حتى اطيل فيه البيان .