زيارة الإمام الحسين (ع) لا تقنطوا من رحمة الله



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

٢٦ ذي الحجة ١٤٣٩هـ


زيارة الإمام الحسين (ع)

لا تقنطوا من رحمة الله


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .


السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا عَبدِ اللهِ وَعَلى الأرواحِ الَّتي حَلَّت بِفِنائِكَ ، عَلَيكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أبَداً ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهدِ مِنّي لِزيارَتِكُم . 


السَّلامُ عَلى الحُسَينِ وَعَلى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ وَعَلى أولادِ الحُسَينِ ، وَعَلى أصحابِ الحُسَينِ . ورحمة الله وبركاته .


أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشائخنا العظام ، العلماء ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 


قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . صدق الله العلي العظيم (سورة الزمر:٥٣)


مما ذكره العلامة الشيخ جعفر التستري رحمة الله تعالى عليه في (كتابه الخصائص الحسينية) ، أن من الوسائل الحسينية ما يحصل لك منها ، خصوصية نداء العباد المسرفين المنيبين المخاطبين بهذا القول : وهو 

{قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، 


فإن الزائر للإمام الحسين عليه السلام والباكي عليه ، تحصل له مغفرة الذنوب جميعاً ، ليست الذنوب الماضية فقط ، بل قد تحصل مغفرة الذنوب المستقبل ، ليست لذنوبك فقط ، بل مغفرة جميع ذنوب والديك ، لا ذنوب والديك فقط ، بل ومغفرة ذنوب من أحببت جميعاً ويدخل الجنة ، وهذا العطاء عطاءٌ إلهي ، من قبل الله تعالى للإمام الحسين عليه السلام .


{وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (سورة النحل:١٨) .


فمن يقدر أن يعد نعمة الله التي أنعم بها على الحسين صلوات الله وسلامه عليه وعلى زوار الحسين عليه السلام .


قد يقول أحد لماذا يعطي الله كل هذا للحسين سلام الله عليه ؟؟

لأنه بصيرٌ بالعباد وبصيرٌ بتصرفه و بصيرٌ بعطائه وهو أهلٌ لذلك .


أعزائي المحترمون ، 

كيف نستقبل شهر محرم ؟؟ 

وكيف نستفيد من هذه العطايا الإلهيه ؟؟


الإنسان المستقيم يتفاوت سلوكه مع الأشياء بحسب فهمه وتقديره ، فللمسجد آداب ، وللحرم المكي آداب ، للمراقد الطاهرة للمعصومين عليهم السلام آداب خاصة ، في القرآن الكريم إشارة على أصل هذه الفكرة في قوله تعالى :  

{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} (سورة طه:١٢) .


فخلع نعليك مراعاةً لذلك المكان المقدس ، كذلك الأزمنة ، شهر رمضان يتم إستقباله بشكلٍ خاص  نظراً لعظمة هذا الشهر ، ومن الأزمنة التي حظية بالتعظيم في روايات النبي وأهل البيت عليهم السلام ، حرمة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه في شهر محرم .


ورد في كيفية استقباله الكثير الكثير ، بالخصوص العشر الأوائل ، وبالخصوص يوم العاشر المحرم . 


روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال : «إن المحرم شهرٌ كان أهل الجاهلية يحرمون فيها القتال ، فستحلت فيه دماءنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وأنتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترعى لرسول الله حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين (ع) أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا ، بأرض كربٍ وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الإنقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام» .



ثم قال عليه السلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يُرى ضاحكا ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، 

ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام» .


وا حسيناه ، بأبي أنت وأمي سلام الله عليك .


وهذا يقتضي نوع من التناسب مع ذلك الظرف الزماني الذي وقعت فيه المصيبة . 


ففي الزيارة المطلقة للإمام الحسين عليه السلام المروية عن الإمام الصادق عليه السلام : «أشهَدُ أنَّ دَمَكَ سَكَنَ في الخُلدِ وَاقشَعَرَّت لَهُ أظِلَّةُ العَرشِ وَبَكى لَهُ جَمِيعُ الخَلائِقِ وَبَكَت لَهُ السَّماواتِ السَّبعُ وَالأرَضُونَ السَّبعُ وَما فِيهِنَّ وَما بَينَهُنَّ وَمَن يَتَقَلَّـبُ في الجَنَّةِ وَالنَّار مِن خَلقِ رَبِّنا وَما يُرى وَمالا يُرى» 


كل هذا في مصاب سيد الشهداء صلوات وسلامه عليه ، ولهذا ينبغي أن تكون مظاهر الأحزان متناسبة مع عظم الشهر ومع عظم صاحب المصيبة ، ونراعي ونهيء أنفسنا في استقبال هذا الشهر بنشر السواد وإعداد الحسينيات و تهيئة البرامج لأولادنا حتى يشاركوا في مجالس الإمام الحسين عليه السلام . 


هذا الشهر شهر حزن على أهل البيت عليهم السلام ، ليعلم الكل أنه مهما بذل في هذه المظاهر لم يبلغ معشار المصيبة ، فعلينا أولاً العمل بالواجبات والإبتعاد عن المحرمات في هذا الشهر العظيم ، وتعديل السلوكيات الخاطئة ، ليكن شهر محرم موسماً تربوياً للنفس والمجتمع ، والحرص على الحضور في مجالس الإمام الحسين عليه السلام ، من المشاركة في الفعاليات العاشورائية ، والمحافظة على صلاة الجماعة ، ونتذكر الإمام الحسين وأصحابه عليهم السلام وهم في غمرة القتال لم يتركوا إحياء سنة صلاة الجماعة .


ونحن في جميع حالتنا نسأل الله بحق محمد وآل محمد ، وبحق محبتهم عليهم السلام ، ألا يفرقوا بيننا وبينهم عليهم السلام ، ونشكر الله لهدايته لنا على السراط المستقيم ، الذي هو ولايتهم عليهم السلام ، وهو إكمال الدين وإتمام النعمة .


أوصيكم بالتقوى ، أوصيكم بالتقوى ، وأوصيكم بالتقوى ، وتعظيم شعائر الله بتوحيد الكلمة ، ورفع الخلاف بينكم بالعفو والإغماض و التسامح والتساهل في هذا الشهر العظيم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .