خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٤ محرم ١٤٤٠هـ
زيارة الإمام الحسين (ع)
البكاء على الإمام الحسين (ع)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين
السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ ، وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ ، وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ ، وَمَهبِطَ الوَحي ، وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ ، وَخُزَّانَ العِلمِ ، وَمُنتَهى الحِلمِ ، وَأُصُولَ الكَرَمِ ، وَقادَةَ الاُمَمِ ، وَأولياءِ النِّعَمِ ، وَعَناصِرَ الأبرارِ ، وَدَعائِمَ الأخيارِ ، وَساسَةَ العِبادِ ، وَأركانَ البِلادِ ، وَأبوابَ الإيمانِ ، وَأُمَناءَ الرَّحمنِ ، وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ ، وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ ، وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .
السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا عَبدِ اللهِ وَعَلى الأرواحِ الَّتي حَلَّت بِفِنائِكَ، عَلَيكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أبَداً ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهدِ مِنّي لِزيارَتِكُم .
السَّلامُ عَلى الحُسَينِ وَعَلى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ وَعَلى أولادِ الحُسَينِ وَعَلى أصحابِ الحُسَينِ . ورحمة الله وبركاته .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشائخنا العظام ، العلماء ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نرفع أحر التعازي إلى مقام رسول الله صلَّ الله عليه وآله ، وإلى وصيه ووزيره أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهم السلام ، وإلى مكسورة الأضلاع سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ، وإلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، وإلى التسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام ، سيما بقية الله الأعظم في العالمين صاحب العصر و الزمان الحجة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف ، بمناسبة إستشهاد أبي الأحرار وسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، وإستشهاد ساقي عطاشا كربلاء أبي الفضل العباس ، وإستشهاد الخيرة الطيبة من أصحاب أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، عظم الله لكم الأجر ، وأحسن الله لكم العزاء ، بمصاب سيدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين عليه السلام .
محرم الحرام كل سنه تعود معه ذكريات الطف الدامية ، التي بكا لها التاريخ بكاء الثكلا ، وكيف لا نبكي عليه بدل الدموع دما !!
وقد لطخت صفحاته البيضاء الأعداء ببقع سوداء في مثل هذا الشهر ، فهي لا تزول أبداً خالدة ، فنقرأ في صفحاته عبراً ومثلاً عالياً في التضحية و الصبر والفداء و تحمل البلاء والثبات والمواساة ، فما أعظم هذه الذكرى و أجل هذه المآتم ، فأي عينٍ تكف دموعها عنه يا أبا عبدالله ، وأي قلب لا يحزن عليك يا حسين .
«الحسين مصباح الهدى و سفينة النجاة» ، إن هذه الكلمات في حق الإمام الحسين عليه السلام ليست تعبيرٌ من أحد ، بل هو كلام الله عز وجل مكتوب على ساق العرش ، وقبل أن يولد الإمام الحسين عليه السلام ، فعن الإمام الحسين عليه السلام قال :
«أتيت يوماً جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأيت أُبي ابن كعب جالساً عنده
فقال جدي : مرحبا بك يا أبا عبدالله ، يا زين السماوات والأرضين ،
قال له أُبي : وكيف يكون يا رسول الله زين المساوات و الأرضين أحدٌ غيرك .
قال : يا أُبي ، والذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين ابن علي في السماوات أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل ، مصباح الهدى و سفينة النجاة وإمام وخيرٌ ويمنٌ وعزٌ وفخرٌ وعلمٌ وذخر» .
الحسين عليه السلام أقام الدين وحفظ الشريعة ، فلولا الحسين عليه السلام لما كان الصلاة ولا الصيام ولا الحج ، لأن الأعداء لعنهم الله كانوا على وشك القضاء على الدين ، ولكن الحسين عليه السلام حفظه بدمه ودماء أهل بيته ودماء أصحابه عليه السلام .
نعم ، حقيق بالمسلمين بل جميع الأمم أن يقيموا الذكرى للحسين ابن علي ابن أبي طالب عليه السلام ، لأنه دافع عن الدين ليس عن دين الإسلام فقط ، بل عن كل الديانات السماوية ، هو دافع عن كرامة الإنسان والإنسانية ، وأيضاً دافع عن شرف الإنسان الذي يحرره من الفساد إلى حياةٍ كريمة ، نابذة بالحياة المشرقة الحقيقية . فنداء الحسين عليه السلام في ثورته الإنسانية ، عملٌ في تحرير الأنسان من سيطرة المردة والشياطين والطغاة الذين يحرفون العقول إلى ما يريدون من الحكم بالظلم و إعلامهم الفاسد المغير للحقائق .
نعم ، الحسين الشهيد عليه السلام أشرف الناس أباً وأماً وجداً وجدةً ، وقد جاهد لنيل أسمى المقاصد و أول الغايات وقام بأمرٍ ، لم يسبقه سابق ، ولم يلحقه لاحق ، فبذل نفسه وماله وآله في سبيل الله وإحياء الدين ، وإظهار فضائح المنافقين ، وأختار المنية على الدنية ، ميتت العز على حياة الظلم ، ومصارم الكرام على طاعة اللآم ، وأظهر من إباء القيم وعزة النفس والشجاعة والبطولة والصبر والثبات بما بحر العقول وحير الألباب ، واقتدت به في ذلك الأمم والأجيال إلى يوم القيامة .
أعزائي المحترمون ، الأصحاب الأوفياء قليلون ، وإنما يعرف وفاء الأصحاب عند الشدائد ، فالأصدقاء في اليسر و الرخاء كثيرون ، وأما عند العسر و البلاء قليلون ، فالصداقة الخالصة والمحبة الصادقة هي التي تدوم في اليسر والعسر والشدة والرخاء ، وقد تجلى الإخلاص والوفاء وحسن الصحبة في أصحاب الحسين عليه السلام ، فقد كانوا خير أصحاب ، وفي مثل هذه الأيام نتوسل بأصحاب الإمام الحسين عليه السلام ، يا أبا عبدالله أقر الله عينك بأصحابك وأهل بيتك ، وأعظم الله لكم الأجر فيهم ، فقد كانوا والله كما قلت فيهم :
«فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرا» .
وإننا اليوم سيدي ومولاي لفي أمس الحاجة إلى أن نحذوا حذوهم ، وأن نسلك جادتهم ، وأن نرصد طريقتهم ، في الإيمان والإعتقاد بكم وبعلمائكم التابعين لكم ، الذين كانوا في خدمة الدين ونشر فضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم قولاً وعملاً ، عرفنا سراط أهل البيت عليهم السلام ، منهم شيخنا الأجل الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي ، والسيد الأمجد ، السيد كاظم الرشتي ، وعمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، وأبي ومعلمي ومرشدي آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، ونذكر شهداءنا السعداء ، شهداء الصيام والصلاة وشهداء التشييع بالصلاة على محمد وآل محمد .
اللهم عجل لوليك الفرج ، اللهم إشفي مرضانا وإرحم موتانا وسلم ديننا ودنيانا وإجعلنا من الباكين على الحسين عليه السلام ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .