خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
١٩ ذو القعدة ١٤٣٦هـ
منزلة الشهيد
والحجب بين الإنسان والله تعالى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمدلله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومبغضي شيعتهم من الآن إلى قيام يوم الدين أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم {وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} .
أيها المكرمون ، أسر الشهداء السعداء والمجروحين ، مشايخنا الكرام ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نذكر الشهداء السعداء ، شهداء الصيام والصلاة في جامع الامام الصادق عليه السلام ، ونذكر الشهداء الكرام الذين وافتهم المنية إثر الحادث الأليم وهم في طاعة الله بعد رجوعهم من زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) وتشييع والدي المعظم مرجعنا الراحل الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي .
كان هؤلاء الشهداء من خاصة أولياء الله سبحانه وتعالى ومن أطيب جماعة هذه الأسرة الكريمة أعني أسرة الأوحدية ومن أوفق جماعتنا في الكويت المحبوب قد أنعم عليهم بالشهادة ، وهم في طاعة الله ، نعم كان الشهداء مشتركين في نقطة واحدة وهي محبة أهل البيت (ع) ، الله يبارك لهم هذي الشهادة وهنيئا لهم هذه الشهادة وطوبى لهم هذه المحبه العلوية الأوحدية .
لقد قيل عن الشهداء ومكانتهم وأهمية مقامهم الكثير الكثير ، وكل الأمم وكل الشعوب تحترم شهدائها وتقيم لهم وزنا خاصا ، ولكن ما يوليه الإسلام للشهداء في سبيل الله من الإحترام وما يعطيهم من المقام لا مثيل له أصلاً ، وهذه حقيقة لا مبالغة فيها ، وهناك آيات عديدة في القرآن الكريم والأحاديث كثيرة واضحة من هذا الإحترام العظيم التي يوليه الإسلام الحنيف للذين أستشهدوا في سبيل الله ، فإن الحديث عن رسول الله في كتاب تهذيب الأحكام نموذج واضح من هذا الإحترام العظيم .
قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) : «للشهيد سبع خصالٍ من الله ، أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب ،
والثانية : يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين ، وتمسحان الغبار عن وجهه ، وتقولان : مرحبا بك . ويقول هو مثل ذلك لهما ،
والثالثة : يكسى من كسوة الجنة ،
والرابعة : تبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه معه ،
والخامسة : أن يرى منزله ،
والسادسة : يقال لروحه : اسرح في الجنة حيث شئت ،
والسابعة : أن ينظر إلى وجه الله وانها لراحة لكل نبي وشهيد» .
عن الإمام زين العابدين (ع) : «مامن قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرتين ، قطرة دم في سبيل الله ، وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها عبد إلا الله عز وجل» .
ورواية عن الامام الصادق (ع) في الكافي : «من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئا من سيئاته» .
فعلى هذه الروايات الصريحة بأن الشهيد في سبيل الله مغفورة ذنوبه .
طوبى للسعداء الذين هم قتلوا في بيت الله ، في سبيل الله ، في شهر ضيافة الله في حال الصلاة ، فهي معراج المؤمن ، فإنهم محشورون مع إمام المتقين أمير المؤمنين (ع) الذي قتل في شهر الله في محراب عبادته وقد قال : «فزت ورب الكعبة» .
أعزائي كل ما للدنيا فان وكل ما لله يبقى ، هؤلاء الشهداء أحياءٌ عند ربهم يرزقون ، لقد نالوا الرزق المعنوي الأبدي لدى ربهم ، لأنهم قدّموا كل ما وهبه الله لهم وسلموا الله الأمانه ، ولقد قبلهم الله تبارك وتعالى ويقبل الآخرين ، هنيئا لهؤلاء الشهداء ما نالوه من لذه الأنس ومجاورة الأنبياء العظام والأولياء الكرام والشهداء ، هنيئا لهم بلوغهم نعمة الله التي هي رضوان من الله أكبر .
{وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
لربما كان السر في ذلك أن الحجب التي فيما بيننا وبين الله تعالى وتجلياته تنتهي كل هذي الحجب إلى الإنسان نفسه ، الإنسان هو الحجاب الأكبر وكل الحجب الظلمانية والحجب النورية تنتهي إلى الحجاب الذي هو الإنسان بذاته ، فنحن الحجاب بين ذواتنا وبين وجه الله ، فإذا أزال أحدٌ هذا الحجاب في سبيل الله ، وإنكسر الحجاب بالتضحية في حياته ، فإنه يكون قد كسر جميع الحجب مثل حجاب الشخصية وحجاب الإنية ، نعم ينكسر هذا الحجاب بالجهاد والدفاع في سبيل الله وفي سبيل بلاد الله والعقيدة الإلهية ، وإذا قلّبنا أوراق التاريخ الإسلامي فسنرى الشهداء قد سجّلوا القسم الأعظم من الإفتخارات وهم الذين قدموا القسط الأوفر من الخدمة .
أما شهداءنا الأعزاء هنيئا لهم هذه الشهادة ، صحيح حزنا لذهاب الشهداء لأن مكانهم خالية جداً ، صحيح حزنا أن لدينا جرحى داعيا إلى الله عز وجل لهم بالشفاء العاجل والقريب ، لكن لدينا فرحة جداً في نفوسنا تجاه دماء الشهداء وإثر هذه الدماء الزكية الطاهرة على مجتمعنا الكويتي وعلى روح التآخي التي حصلت بين افراد المجتمع ، ولله الحمد دماء الشهداء الزاكية لم تذهب منثورة بل أثرها كان رائع وجميل جداً في نفوس جميع المواطنين دون استثناء ، ودليل على ذلك ما شاهدناه في المقبرة الجعفرية عندما أتت جميع الكويتين حتى تعزي أهل الكويت وحتى يصلون على جنائز الشهداء وأيضا ما رأيناه في التعزية مئات الآلاف الذين أتوا إلى المسجد لتقديم واجب العزاء وهذا الإتحاد والمودة فخر عظيم للشعب الكويتي العزيز بل لشعب المنطقة كلها ،
في هذا اليوم المبارك وفي هذا المكان المقدس يجب علينا أن نشكر جميع المواطنين في الكويت وسائر المناطق الذين اشتركوا في صلاة الجنائز في تشييع الشهداء ومراسم العزاء ، وأيضا نشكر وزارة الداخلية ووزارة الصحة الأطباء ووزارة الإعلام ومكتب الشهيد مكتب الإنماء ، مجلس الأمة ومجلس الوزراء ، المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية وسائر الدوائر الحكومية ، خاصةً زعماء القوم الذين شاركوا أسر الشهداء والمجروحين في همومهم من أول ساعات التفجير إلى الآن ولا يزال هم مستعدون للتعاون في العمل جزاهم الله خير الجزاء بحق محمد وآله الطاهرين .
زعم الفجار والملحدون يتمكنون إلقاء الفتنة والتفرق بهذا العمل الشنيع بين اخوان المسلمين ، ولكن إنعكس العمل ووحّد هذا الإنفجار بينهم أكثر من السابق ، نطلب من الله الجليل التعاون والأمن والحنان والمحبة بين المسلمين جميعاً والرحمة والمغفرة لجميع الشهداء والشفاء العاجل لجيمع الجرحى والصبر لأسر الشهداء ولأهل الكويت المحبوب بحق محمد وآله الطاهرين .
إلهي إحفظ جميع بلاد المسلمين من شر الأعداء وكيد الفجار إنك أنت أرحم الراحمين .
وأما نحن فلنأسف على أنفسنا إذ لم نكن معهم ، أعني الشهداء لنفوز معهم إنهم سبقونا ووصلوا إلى السعادة ، ونحن بقينا في الوحل ولم ندرك القافلة لنسير في هذا المسير ، اللهم إرزقنا .
في الخاتمة نذكر علماءنا المرحومين الذين مدادهم أفضل من دماء الشهداء ومنهم عمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي المجاهد المظلوم آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، وسائر العلماء المرحومين قدس الله سرهم الشريف .
اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر والسلام ورحمة الله وبركاته .