الجهاد والقول والفعل



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

٢٥ ربيع الآخر ١٤٤٥هـ


الجهاد والقول والفعل


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ ، وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ ، وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ ، وَمَهبِطَ الوَحي ، وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ ، وَخُزَّانَ العِلمِ ، وَمُنتَهى الحِلمِ ، وَأُصُولَ الكَرَمِ ، وَقادَةَ الاُمَمِ ، وَأولياءِ النِّعَمِ ، وَعَناصِرَ الأبرارِ ، وَدَعائِمَ الأخيارِ ، وَساسَةَ العِبادِ ، وَأركانَ البِلادِ ، وَأبوابَ الإيمانِ ، وَأُمَناءَ الرَّحمنِ ، وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ ، وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ ، وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .


قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : 

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . (سورة الصف : ١٠-١١) صدق الله العلي العظيم


روي عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) قال : «أما بَعْدُ فإن الجهادَ بابٌ من أبوابِ الجنة فتحهُ الله لخاصَّة أوليائِهِ ، وهو لباسُ التقوى ، ودرعُ اللهِ الحصينةُ ، وجنتهُ الوثيقةُ ، فمنْ تركهُ رغبةً عنهُ ، ألبسهُ الله ثوب الذل ، وشملهُ البلاءُ» . نهج البلاغة خ٢٧-الوسائل .


أيها المكرمون ، و أيتها المكرمات ، علمائنا الأفاضل ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


أما بعد ، 


إن الجهاد له مفهوم واسع في القرآن الكريم ، حيث إنه مأخوذ من الجهد ، وهو الوسع و الطاقة ، فيكون الجهاد بذل الوسع و الطاقة في سبيل الإسلام والدفاع عنه ، فإن كل ما يتحمله الإنسان من عناء و تعب ، خالصاً في سبيل الله يكون جهاداً . سواء كان ذلك نفسياً أو بدنياً أو في التبليغ بالإسلام والشريعة ، أو بذل المال وطلب العلم ، أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أو الحضور في الأماكن المقدسة والحسينيات ونحوها ، فضلاً عن بذل النفس و القتال في سبيل الله . 


إلا أن الجهاد في الإصطلاح الفقهي ، يطلق على القتال خاصةً في سبيل الله ، من خلال إستخدام السلاح ، ولا يسعنا التعرض لذكره في هذا المقام .


فهذه الوظيفة الربانية ، يعني الدفاع عن الدين ، وبيضة الإسلام ، في حفظ المجتمع الشيعي ، في عصر الغيبة ، حال تعرضها للخطر ، سواءً من قبل الكفار أو المرتدين فرضٌ للكل ، هذا المورد من الجهاد حقٌ من الحقوق الإنسانية المشروعة كما قال تعالى :

 {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} . سورة الشورى ١٣ .


أيها الحضور ! شبابنا الأعزاء ! في الواقع من الصعب جداً ، الحفاظ على الدين ، والجهاد في سبيل الله ، في هذا الزمن ، حيث ينتشر الفجور ، والظلم والكذب ، والإفتراء في كل مكان ، بل الحفاظ على الدين ، كقبضة الجمرة بين يديك ، وتمسكها حتى تطفأ .


عن أبي مريم عن أبي جعفر (ع) قال : «قال أبي يوما ، وعنده أصحابه ، من منكم تطيب نفسه ، أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ ؟

 قال : فكاعَ الناس كلهم ونكلوا . فقمت وقلت : يا أبت أتأمر أن أفعل ؟ 

فقال : ليس إياك عنيت ، إنما أنت مني ، وأنا منك ، بل إياهم أردت قال وكررها ثلاثا . 


ثم قال : ما أكثر الوصف ، وأقل الفعل ، إن أهل الفعل قليل! إن أهل الفعل قليل! ألا وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معاً ، وما كان هذا منا تعاميا عليكم ، بل لنبلو أخباركم ونكتب آثاركم . 


قال : والله لكأنما مادت بهم الأرض حياءاً مما قال ، حتى أني لأنظر إلى الرجل منهم يرفض عرقا ، ما يرفع عينيه من الأرض . 


فلما رأى ذلك منهم قال : رحمكم الله! فما أردت إلا خيرا ، إن الجنة درجاتٌ ، فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول ، ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم .

قال : فوالله لكأنما نشطوا من عقال» . الكافي ج ج٨ ص٢٢٧


قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا بن مسعود يأتي على الناس زمان الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفه» (البحار ج٧٤ ص٩٨) . 


فإذا كان هذا الواجب الإلهي (أعني الجهاد) فإنه يتحقق بأشكاله المختلفة . 


فإن الجهاد يساهم في إخراج الصفات الكامنة ، في نفوس الناس ، وإخراجها من القوة إلى الفعل ، فيتميز المخلص من المنافق ، ومن ثم يزداد المخلص إخلاصاً لدينه وإمامه ، ومن خلال ذلك يتوفر العدد الكافي من المخلصين ، للنهوض بالأعباء و المسؤوليات لليوم الموعود ، وهذا بدوره يشكل عاملاً مهماً ، من عوامل تعجيل ظهور الإمام الحجة ابن الحسن العسكري المهدي المنتظر . 


ففي الواقع إن المجاهد في سبيل الله تعالى ، المدافع عن الإسلام في عصر الغيبة ، هو يعد من جند الإمام صاحب العصر و الزمان (عجل الله فرجه) ، لأنه يمهدُ ويهيئُ السبيل لظهور إمامه (عليه السلام) .


فضلاً عما يحصل عليه من الثواب الجزيل ، بل يعد كالذي يقتل في فُسطاط الإمام المهدي (عجل الله فرجه) . 


أيها الحضور! شبابنا الأعزاء! في زماننا هذا تعتبر المشاركة والتواجد في المساجد والحسينيات ، والدورات الدينية ، والعقائدية ، شكلاً من أشكال الجهاد ، بل أفضله على الإطلاق ، ولله الحمد و الشكر ، أنتم تعملون لذلك ، كما كان آباؤنا وآباؤكم عاملين لذلك ، فهم أبقوا الجمرة في أيديهم ، بالدفاع عن المظلومين ، الذين لهم الرأي الصحيح ، والعقيدة الكاملة ، لتحقيق الجهاد الأكبر ، بل يُمكن أن يكونوا غير مبالين بالظلم ، مثل الآخرين وكانوا يعيشون بالراحة .


فنسأل من الله العزيز أن يوفقنا لمواصلة طريقهم ، حتى ظهور إمامنا صاحب العصر والزمان ، وأن نكون أهلاً من جنوده (عجل الله فرجه الشريف) ، 


فنحن بحمد الله من أبناء مدرسة الشيخ الأوحد ، أحمد بن زين الدين الإحسائي (قدس سره) ، وسندافع عنها حتى النهاية .


وفي الختام نذكر علماءنا وآباءنا الذين دافعوا عن الحق ، ومنهم جدي الأكبر آية الله المعظم الميرزا موسى الحائري الإحقاقي ، وعمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، و الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، وأبي و أستاذي آية الله المجاهد الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي .


اللهم إشف مرضانا وارحم موتانا وسلم ديننا ودنيانا بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .