خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٢٤ جمادي الأول ١٤٣٧هـ
يرحم الله من أحيا أمرنا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ ، وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ ، وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ ، وَمَهبِطَ الوَحي ، وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ ، وَخُزَّانَ العِلمِ ، وَمُنتَهى الحِلمِ ، وَأُصُولَ الكَرَمِ ، وَقادَةَ الاُمَمِ ، وَأولياءِ النِّعَمِ ، وَعَناصِرَ الأبرارِ ، وَدَعائِمَ الأخيارِ ، وَساسَةَ العِبادِ ، وَأركانَ البِلادِ ، وَأبوابَ الإيمانِ ، وَأُمَناءَ الرَّحمنِ ، وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ ، وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ ، وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .
السلام عليك يا مولاتي ، السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلق قبل أن يخلقك ، فوجدك لما امتحنك صابرة محتسبة في سبيله ، يا مولاتي دعائك ينجينا من ظلمات أنفسنا إلى نور الهداية ، حيث الجنة والفوز بالنعيم المقيم بفضلك وفضل أبوك النبي سيد الأمة ، وبفضل زوجك إمام المتقين وبفضل أهل بيتكم الطيبين الطاهرين عليهم السلام أجمعين .
فسلام عليك يوم ولدتي ويوم استشهدتي ويوم تبعثين صابرة محتسبة تنجينا يوم الحشر بإذنه تعالى .
إلهي بحق الزهراء وبحق مظلومية الزهراء نور قلوبنا وزدنا بمحبتها ومعرفتها بحق محمد وآل محمد عليهم السلام .
قال زين العابدين السجاد عليه السلام : «شيعتنا أفرحوا لفرحنا وأحزنوا لحزننا» .
وقال الصادق عليه السلام : «شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا ، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا» .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، ضيوفنا المحترمون ، مشائخنا العظام ، شبابنا الأعزاء ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كان في الأيام الماضية ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة بضعة رسول الله الزهراء سلام الله عليها ، وقد عظم الشيعة هذه الأيام ، يعني الأيام الفاطمية في أكناف العالم ، بإقامة مجالس التعزية ، لأن تعظيم هذه الأيام من شعائر الله ، {ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} .
والشيعة يعظمون هذه الأيام إطاعة لأئمة الهدى عليهم السلام .
قال الإمام الصادق عليه السلام : «أحيوا أمرنا ، رحم الله من أحيا أمرنا» .
لولا أن الشيعة دأبت في كل عام على إحياء عاشوراء ، بالمراسم المتنوعة ، وأصرت على إحيائها ، لشكك الناس في وقوع فاجعة عاشوراء ، وحيث طرح الأعداء الشبهات العديدة لتشويهها ، لذلك لا يمكن سد باب التشكيك في فاجعة فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومظلومية أمير المؤمنين عليه السلام ، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يمكن رفع الشبهات في شهادة الصديقة عليها السلام على مر الزمان إلا بإحياء ذكرى الشهادة الخالدة ، والفاجعة الأليمة لفاطمة الزهراء عليها السلام كإحياء عاشوراء تماماً ، لكي لا يبقى مجال للتشكيك والتردد .
هناك سؤال :
ما هو المقصود الواقعي من إحياء أمرهم؟
هل أمرهم هو إحياء ذكرى ميلادهم و وفاتهم فقط؟
أو أن أمرهم هو إحياء الدين و الإسلام الحقيقي؟
لا شك أن أمر أهل البيت الذي أوصت الروايات المأثورة بإحيائه ، هو معالم الدين الإسلامي الذي يعرف من طريقهم ، في مقابل ما يتداوله الناس من غير طريقهم ، ذلك لأن طريقهم هو وحده الذي لم يشبه إنحرافٌ أو تجاوز عما جاء به القرآن الكريم ، وسنة النبي ، صلوات الله عليه وآله وسلم ، وكذلك إن عقد المجالس التي تعقد يستعرض فيها البراهين ، والحجج المقتضية ، لتعين أخذ الدين عنهم ، والتي هي تأويل آخر عن إمامتهم ، والمجالس التي تعقد لتستعرض فيها ما يوجد التوثيق للعلاقة ، والصلة بهم ، ليكون ذلك طريقاً لأخذ الدين عنهم ، والتمثل بسجاياهم ومكارم أخلاقهم ، وكل ذلك يقع في سياق الإحياء لأمرهم.
أعزائي كما تعزي الشيعة أيام استشهاد الأئمة ، وتقيم العزاء في المجالس الحسينية لمصاب أهل البيت عليهم السلام ، تحتفل الشيعة بمواليد الأئمة الأطهار عليهم السلام ، بديهياً السرور والإرتياح ليس مذموما بذاته ، خصوصاً إذا كان هذا السرور في مواليد الأئمة عليهم السلام ، ولكن السرور المذموم هو الذي يغفل فيه الإنسان عن ذكر مولاه عز وجل ، ويغرق به في شهواته الموصل إلى التيه والضلالة والجهل ، أما سرور المؤمن بلطف الله ونعماته وبشاشته عند مشاهدة إخوانه وغيره فما أحلاها وأزكاها .
نعم تحتفل الشيعة بمواليد الأئمة الأطهار . وما هو السبب الرئيسي لهذا الاحتفال؟
لأنهم (أعني الأئمة الأطهار عليهم السلام) أنواراً إلهية كلها (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، والناس يستفيدون من بركات وجودهم بعد مولدهم في الدنيا مباشرة بلا واسطة ، نقرأ في دعاء العديلة : «بِبَقائِهِ بَقيَت الدُّنيا ، وَبيُمنِهِ رُزِقَ الوَرى، وَبِوُجودِهِ ثَبَتَتِ الأرضُ وَالسَّماءِ» .
أيضاً نقرأ في زيارة الجامعة الكبيرة :
«خَلَقَكُمُ اللهَ أنواراً فَجَعَلَكُم بِعَرشِهِ مُحَدِقِينَ حَتّى مَنَّ عَلَينا بِكُم فَجَعَلَكُم في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيها اسمُهُ» .
إذا لم نحتفل بمولد النور ومنقذ البشرية من الضلال والتكفير وشفيع الأمة . فبمن نحتفل؟
إن الشيعة تحتفل وتعظم هذه الاحتفالات ، لكي يعرف أجيالنا من نبيهم وإمامهم ، نحتفل بمواليد الأئمة ونقيم العزاء بمصابهم لكي نجدد العهد إلى نبي الرحمة محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، بالإلتزام بوصاياه وتعاليمه لنا بالسير مع سفينة النجاة أهل البيت عليهم السلام بقيادة مولانا ومقتدانا الإمام علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام (اللهم صل على محمد وآل محمد).
في الخاتمة نذكر علماؤنا الأجلاء ، والذين هدونا إلى صراط الأئمة ، وحفظونا من الضلالة وعرَّفونا الإسلام الحقيقي ، منهم شيخنا الأوحد ، الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، وسيدنا الأمجد السيد كاظم الرشتي (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، والمرحومين عمي الأكبر آية الله الميرزا علي الحائري الإحقاقي (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله الميرزا حسن الحائري الإحقاقي (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، ومرشدي ومعلمي أبي آية الله الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره الشريف (اللهم صل على محمد وآل محمد) .
ونذكر الشهداء السعداء شهداء الصيام والصلاة في جامع الإمام الصادق عليه السلام ، ونطلب من الله الشفاء العاجل لجميع الجرحى والصبر لأسر الشهداء .
وأقدر مشائخنا العظام كلهم ، خصوصاً معتمدي ورجاي وكيلي الأول في الكويت المحبوب الشيخ عبدالله نجم المزيدي أبو صادق حفظه الله (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، وأخو الفاضل الأمين في منطقة الأحساء وسائر مناطق السعودية الشيخ توفيق البوعلي حفظه الله (اللهم صل على محمد وآل محمد) .
اللهم أرزقنا الاستشهاد في ركاب مولانا ومقتدانا صاحب الأمر والزمان إمامنا الحجة ابن الحسن العسكري المهدي (اللهم صل على محمد وآل محمد) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (اللهم صل على محمد وآل محمد).