خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٢ ذي القعدة ١٤٣٥هـ
الوحدانية في الديانات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .
قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
وقال رسول الله الأعظم : «من مات ولم يعرف إمام عصره ، مات ميتة جاهلية» ، و بإختلاف الألفاظ «من مات بغير إمام مات ميتة الجاهلية» .
أيها المؤمنون ، و أيتها المؤمنات ، علمائنا الأعزاء ، مشائخنا الكرام ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
جميع الأديان والفرق والمذاهب من المسلمين وغيرهم لا خلاف بينهم نهائيا وأبداً باتفاقهم على توجههم إلى عبادة الله عز وجل وتوحيده ، إن الجميع بدون إستثناء ، الجميع يعبد الله عز وجل وحده لا شريك له ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} .
وفي آية أخرى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ} .
والخلاف والتفرق والتشرذم والتكفير والسباق والشتائم التي نتابعها على الفضائيات الدينية ، وفي المنتديات الحوارية ، ففي جميع المناظرات والملتقيات الدينية في أياً كان ، هي فقط على إختلافنا على أي طريق نسير وعلى أي وسيلة نبتغي إلى الكمال في عبادة الله سبحانه وتعالى ، كلاً منهم من وجهة نظر علمائهم ومعتنقي كل مذهب .
والله سبحانه وتعالى وثق لذوي البصائر أن حتى عبدة الأصنام المنحوته بأيديهم من حجارة و أخشاب لم يكونوا يعبدوها لذاتها على أنها هي ربهم وهي خالقهم وهي رازقهم ، ولكن كانوا يعتبرونها وسيلة يتقبلها عقلهم المادي لتقربهم إلى الله عز وجل الذي ليس له تصورٌ مادي عندهم {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى} .
وكذلك اليهوديون و المسيحيون كانوا يعتقدون بآله عديدة ، وقد غير رجال دينهم من الحاخامات و القسيسين شريعة موسى وعيسى التوحيدية (وعلى نبينا وعليهم الصلاة والسلام) وفق آرائهم الدنيوية وحب الذات حتى جعلوا لله ولداً ، كما يشير الله إلى ذلك في القرآن الكريم {وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ} ، ولكن اتخذوا الوسيلة الخطأ واتبعوا الطريق غير الصحيح في التقرب لله عز وجل ، وتنفيذ أوامره والإنتهاء عن نواهيه باتباع علمائهم بعد وفاة رسولين موسى وعيسى (عليهم السلام) .
وفي هذه المرحلة المظلمة من التاريخ الإنساني حيث انتشرت عبادة الأصنام وعبادة الطاغوت بدلاً من التوحيد وعبادة الله عز وجل ، فجأةً أشرقت شمس الإسلام بأمر الله عز وجل من خلف جبال الحجاز وسطعت كلمةُ التوحيد بين شفاه رسول الله (صلوات الله عليه وآله) المباركة ، فأضاءت عالم الظلام كله في ذلك اليوم بنور التوحيد وعبادة الله عز وجل ، وألغت عبادة كل ما سوى الله جل وعلا ، لقد بعث رسول الإسلام بالقرآن الكريم الذي هو رسالة الإنسانية ودستور البشرية لنجاتها ولإبلاغ التوحيد ونشر وترويج دين الله عز وجل في الأرض ، وقد نسب الله تعالى رسوله الأكرم وآله الأئمة الأطهار علياً وآل علي (عليهم السلام) معلمين للتوحيد وحافظين للدين ومفسرين للقرآن ومعرفين للإسلام ومربين للبشر والوسيلة الأعظم لحفظ الإسلام والقرآن من أيدي المتلاعبين بعد وفاة رسول الله ، وحفظوا بأرواحهم حدود وثغور عبادة الله عز وجل من خطر الشرك والعودة إلى الجاهلية .
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} .
{وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} إذاً الهداية تكون بطاعة الرسول .
قال الله تبارك وتعالى {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ} ، وعلي ابن أبي طالب أقام الصلاة و آتى الزكاة وهو راكع ، هذه الآية المباركة من جملة الأدلة الواضحة على إمامة أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بعد النبي بلا فصلٍ وقد جاءت في سياق الحصر ب(إنما) وهي تفيد التخصيص قطعاً ، إذاً إطاعة الرسول سواءٌ على إطاعة أمير المؤمنين ، لا شك أولاد علي عليه وعليهم السلام هم أئمة حق في الإسلام ، وشأنهم شأن أبيهم في مقام الولاية الكلية المطلقة وإنهم ورثة هذا المقام وتلك الدرجات ، ولذا إختصاص الآية المباركة {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} بالإمام علي ابن أبي طالب والأئمة الطاهرين (ع) من ولده ، موردٌ ذكر في جميع كتب الأخبار والتفاسير وحتى في جميع كتب الصحاح الستة العامة لدى أهل السنة والجماعة وهي حجة كاملة لديهم ،
ولذا يقول الإمام الصادق (ع) معلم التوحيد والقرآن : «بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، لولانا ما عرف الله ، ولولانا ما عبد الله» ، تأييداً لكلام رسول الله : «من مات ولم يعرف إمام عصره ، مات ميتة جاهلية» .
لا شك أن الزيارة الجامعة الكبيرة زيارة تحتوي على المقامات العالية والدرجات الرفيعة لساداتنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، التي صدرت من جانب إمامنا العاشر علي ابن محمد الهادي (ع) مفتاحٌ لمعرفة الإمام ، وهي الطريق الأسهل لإدراك مناقب الإمام وفضائله والشرح الذي علقها شيخنا الأوحد أحمد ابن زين الدين الإحسائي على هذه الزيارة ، هو شرحٌ كامل يحتوي على كنوز من مقامات أهل البيت ومعرفتهم التي لم تفتح من قبل وهو فتحها بشكلٍ ممتاز معتمداً على الآيات القرآنية و الروايات الواردة من أهل البيت (ع) .
نأمل من الله الحكيم أن نستفيد من فقرات هذه الزيارة الشريفة وشرحها بحق محمد وآله الطاهرين .
وفي الخاتمة جديرٌ بالإشارة كما صرحت مراراً وكراراً أن وكيلي الأمين ونائبي لأخذ الحقوق الشرعية وإيصالها إلي في الكويت المحبوب هو الفاضل الأمين الشيخ عبدالله نجم المزيدي أبو صادق حفظه الله ، وهو الوحيد في استلامها وإيصالها لا ثاني له ، كما أن وكيلي الأمين المحترم الفاضل في المملكة السعودي الأحساء و الدمام وغيرها هو جناب الشيخ توفيق البوعلي حفظه الله وهو الوحيد في الوكالة والنيابة واستلام الحقوق الشرعية ولا ثاني له ، وما أعطيت الإجازة لأي شخص شفهياً أو مكتوباً لإستلام الحقوق الشرعية قط .
اللهم إشفي مرضانا وارحم موتانا وعلمائنا خاصةً جدي المقدس الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، وعمي الأكبر آية الله المعظم الحاج الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، ووالدي المجاهد آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، وسلم ديننا ودنيانا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .