خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
١٤ شوال ١٤٣٣هـ
الله أرسل الرسل (ع) رحمة من الله
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين
السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .
قال الله الحكيم في محكم كتابه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، و في آية أخرى {وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} .
إخواني المؤمنين ، و أخواتي المؤمنات ، ضيوفنا المحترمين ، علمائنا المكرمين ، مشايخنا العظام ، شبابنا الأعزاء ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مضى شهر الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، شهر التوبة و الغفران ، شهر الإنابة و الدعاء ، الشهر الذي فيه ليلة القدر الذي خير من ألف شهر ، شهر الجمال في كل شيء ، فلنحاسب أنفسنا هل عدنا من هذا السفر المعنوي سالمةً قلوبنا ، مغفورةً ذنوبنا ، طاهرةً أرواحنا ، صافيةً أجسامنا .
نطلب من الله أن يتقبل أعمالنا وطاعاتنا في شهره بقبولٍ حسن ، ويوفقنا أن نحفظ قلوبنا سالمة و أرواحنا طاهرة و أجسامنا صافية حتى رمضان آخر .
من عظيم النعم التي مَنَّ بها الخالق جل وعلا على الإنسان لرشده بل أعظمها إرسال الرُسل .
ذكر سبحانه عظيم عظيم نعمته على الخلق ببعثه نبينا فقال : {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ} ، أي أنعم الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم ، خصَّ المؤمنين بالذكر ، و إن كان مبعوثاً إلى جميع الخلق ، لأن النعمة عليهم أعظم لإهتدائهم به و إنتفاعهم ببيانه .
- كما ورد في التفسير :
أصل المن القطع ،
و المن (النعمة) لأنه يقطع بها عن البلية ، يقال منَّ فلان علي بكذا ، أي استنقذني به من ما أنا فيه ، فيختار الحكيم من باب اللطف من بين العباد الموجود الكامل ويشرفه برتبة النبوة و الرسالة ، يوحي إليه ما يشاء من التعاليم ، ويجعله واسطة بينه و بينهم ، فيعلمهم طريق المعرفة و العبادة ، و يقرب العبد من الطاعة و يبعده عن المعصية ، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، فالحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما الهم .
لا يمكن للإنسان أن يدرك أبدية النعم ، ولا يمكن له أن يشكر الله لإزدياد النعم ، واستوجب على الناس حمدهم لله لإكثار النعم ، ولكن كيف نستغل النعم الإلهية ؟؟
الدين ، الدين هو محور السعادة ، وأسلوب الإستفادة من النعم ، وكيفية إستغلال المواهب الإلهية ، الدين هو السراط المستقيم ، و الطريق القويم ، الذي يجب أن تكون حركة الوجود الإنساني كله على ذلك السراط وهذا الطريق الإلهي ، فعلمهم الله بالنبي و الدين الذي أرسل به ، {وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
كما أن الحكيم تبارك وتعالى فرض على نفسه إرسال الأنبياء و المرسلين مبشرين ومنذرين لهداية عباده وخلقه ، و إخراجهم من ظلمات الجهل و الحيرة إلى نور العلم و التوحيد ، كذلك فرض على نفسه حفظ كتابه و شريعته بعد أنبيائه ورسله ، بواسطة أوليائهم و خلفائهم ، وقال : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} .
مروي عن جابر ابن عبدالله الأنصاري
قال : لما قال الله تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .
قلت : يا رسول الله ، عرفنا الله فأطعناه ، وعرفناك وأطعناك ، فمن أولي الأمر الذي أمر الله إطاعتهم ؟
قال : «هم خلفائي يا جابر ، وأولياء الأمر بعدي ، أولهم أخي عليٌ ، من بعده الحسن ولده ، ثم الحسين ، ثم علي ابن الحسين ، ثم محمد ابن علي وستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئهُ مني السلام ، ثم جعفر ابن محمد ، ثم موسى ابن جعفر ، ثم علي ابن موسى الرضا ، ثم محمد ابن علي ، ثم علي ابن محمد ، ثم الحسن ابن علي ، ثم محمد ابن الحسن يملأ الأرض قسطاً و عدلا ، كما ملئة جوراً و ظلما» ،
{وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ}
هم الراسخون في العلم ، ويحلون مشاكل الأمة ، ويداوون علل الرعية ، و الإمام نقطة دائرة الحياة ، وقلب المجتمع ، والعقل المحيط و المرجع ، بوجوده تمام الدعوة النبوية وكمال النعمة الإلهية ، كما جاء في تفسير الآية الشريفة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} بالخلافة و الإمامة .
أعزائي ، نحن الآن نعيش في زمن الغيبة الكبرى ، و الشيعة أُمروا أن يرجعوا إلى الفقهاء و رواة الأحاديث في أمورهم الشرعية ، كما خرج التوقيع بذلك ، أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ، فأصبح كل فقيهٍ قد تم فيه شروط التقليد مرجعاً للشيعة الإثنا عشرية .
ذكر شروط مرجع التقليد في المسائل الشرعية كالبلوغ ، و العقل ، و الذكورية ، الإيمان ، العدالة ، أن يكون حياً ، أن يكون طاهر المولد ، ويكون مجتهداً مطلقاً في جميع الأحكام .
كثير من محبي هذه المدرسة الولائية الأوحدية يسألوني عن المرجعية ، كما صرحت كراراً و مراراً لا أستأهل للمرجعية ، أين أنا و المرجعية ، وأما شبابنا الذين يبلغون التكليف يعملون وفق رأي والدي المرحوم آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي .
مذكور في أحكام الشريعة من مسائل التقليد ، إن لم يجد (يعني المكلف) مجتهداً حياً جامعاً للشرائط و عجز عن تحصيل درجة الإجتهاد عمل بالإحتياط ، وإن لم يتمكن من العمل بالإحتياط عمل بالمشهور و الأشهر ، وإن شق عليه ولم يقدر على المشهور و الأشهر يقلد مجتهداً من الأموات ، و الأحوط البقاء على تقليد مرجعه الراحل . البتة ،
جديرٌ بالذكر ، لا يجب على الشيعي الإعتقاد بجميع مقامات المعصومين (ع) والذي يجب عليه هو الإعتقاد بأن الإمام خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص من الله ، معصومٌ ، مفترض الطاعة ، ولصاحب هذه العقيدة يقال أنه شيعي إمامي يستحق رضوان الله تعالى ويدخل الجنة بأعماله الصالحة أو بشفاعتهم عليهم السلام .
وأما الإعتقاد بمقاماتهم العالية الملكوتية و الجبروتية واللاهوتية من الأبواب و المعاني و البيان ، و أنهم أعظم الوسائل في أخذ الفيوضات من الرب الجليل و إيصالها الى الموجودات كافةً ، و أن لهم الولاية التكوينية الكبرى و السلطنة العامة العظمى فهو للأبرار و المقربين أمثال أبي ذر و سلمان ومن يحب أن يحذو حذوهم ، {ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .
فلهذا قال المعصوم : «إن حديثنا صعب مستصعب ، إن لنا مع الله حالات لا يحتملها إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان» .
أما الشيعي الإمامي الذي عقيدته راقية في مراتب التوحيد ومقامات أهل بيت العصمة و الطهارة كما ذكرت ينبغي أن يقلد مجتهداً مساوياً له في العقيدة أو أرقى منه ، فلا يجوز عندنا لمن يعترف بولايتهم التكوينية العامة الكلية و بعلمهم الإحاطي ومراتبهم التي خصَّهم الباري تعالى أن يقلد مجتهداً في الفقه وهو ناقص في العقيدة .
في الخاتمة نذكر علمائنا الماضين منهم عمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، و نعزي الذكرى السنوية العاشرة لرحيل المرجع الديني والدي خادم الشريعة الغراء المظلوم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، مع الكوكبة الطاهرة شهدائنا الأبرار الذين قد أتعبوا أنفسهم في إعلاء كلمة الحق و الإسلام الأصيل ونشر فضائل أهل البيت و مناقبهم و دافعوا عن مفتاح علوم أهل البيت شيخنا الأوحد ، و سيدنا الأمجد ، قدس سرهم الشريف ، ونقدر الجماعة كلهم وضيوفنا المحترمين القادمين من الإحساء و سائر البلاد وعلى رؤوسهم أبو صادق الشيخ عبدالله نجم المزيدي معتمدي و رجاي في الكويت المحبوب ، و الفاضل العالم الشيخ توفيق البوعلي في الإحساء أرض الولاء و الوفاء ، سائر مشائخنا العظام حفظهم الله جميعاً من كل سوء .
أوصيكم بتقوى الله ، أوصيكم بتقوى الله ، و أوصيكم بتقوى الله ، و التجنب عن الشياطين و توحيد الكلمة و الحنان و العطف ، والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته .