خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٢٣ جمادي الآخر ١٤٤٠هـ
معنى الكوثر
مولد السيدة فاطمة الزهراء (ع)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين
السلام عليك يا بنت رسول الله ، السلام عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة ، السلام عليك أيتها الرضية المرضية ، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية ، السلام عليك أيتها التقية النقية ، السلام عليك أيتها المتحدثة العليمة ، السلام عليك أيتها المظلومة المهضومة ، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة ، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته .
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} صدق الله العلي العظيم .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشايخنا العظام العلماء ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات القلبية إلى مقام صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن (عج) بمناسبة ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) ، فأسعد الله أيامكم ولياليكم .
ذكر في سبب نزول سورة الكوثر في التفاسير المعتبرة ، أن العاص بن وائل السهمي ، أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله يخرج من باب المسجد ، فالتقيا عند باب بني سعد وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد ، فلما دخل العاص ، قالوا له : من الذي كنت تتحدث معه ،
قال : ذلك الأبتر ، وكان قد توفي عبدالله بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خديجة ، وكانوا يسمون من ليس له إبن أبتر ، فسمته قريش عند موت إبنه أبتر ، فنزلت السورة تبشّر النبي بالنعم الوافرة بالكوثر وتصف عدوه بالأبتر .
ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله كان له ولدان من أم المؤمنين خديجة (ع) أحدهما القاسم والآخر الطاهر ويسمى أيضا عبدالله ، وتوفي كلاهما في مكة ، وأصبح النبي صلى الله عليه وآله من دون ولد ، هذه المسألة وفرت للأعداء فرصة الطعن بالنبي صلى الله عليه وآله وسموه الأبتر .
الكوثر من الكثرة بمعنى الخير الكثير ، ويسمى الفرد السخي كوثراً ، وفي معنى الكوثر ورد أنه لما نزلت سورة الكوثر صعد رسول الله صلى الله عليه وآله الممبر ، فقرأها على الناس ، فلما نزل قالوا : يا رسول الله ما هذا الذي أعطاك الله ،
قال صلى الله عليه وآله : «نهر في الجنه أشد بياضاً من اللبن وأشد إستقامة من القدح» .
وروي عن الإمام الصادق (ع) قال : «نهر في الجنة ، أعطاه الله بنته عوضا من إبنه» ، وقيل هو حوض النبي صلى الله عليه وآله الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة ، وقيل هو النبوة والكتاب ، وقيل هو القرآن ، وقيل كثرة الأصحاب والأشياع ، وروي عن الصادق (ع) «أنه الشفاعة» ، وقيل كثرة النسل والذرية ، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة (ع) حتى لا يحصى عددهم واتصل إلى يوم القيامة مددهم .
على أي حال كل الهبات الإلهية لرسول الله صلى الله عليه وآله في كل المجالات تدخل في إطار هذا الخير الكثير ، ومن ذلك إنتصاراته على الأعداء في الغزوات بل حتى علماء أمته الذين يحملون مشعل الإسلام والقرآن في كل زمان ومكان .
قلت إن الكوثر له معنى واسع يشمل كل خير ، وهبه الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ومصاديقه كثيرة ، لكن كثيرا من علماء الشيعه ذهبوا إلى أن فاطمة الزهراء (ع) من أوضح مصاديق الكوثر ، لأن رواية سبب النزول تقول (إن المشركين وصفوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالأبتر أي بالشخص المعدوم العاقر وجاءت الآية لتقول إنا أعطيناك الكوثر) ، ومن هنا نستنتج أن الخير الكثير أو الكوثر هو فاطمة الزهراء (ع) ، لأن نسل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنتشر في العالم بواسطة الزهراء (ع) ، وذرية الرسول من فاطمة (ع) لم يكن إمتداداً جسمياً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسب ، بل كان إمتداداً رسالياً صان الإسلام ، وكان منهم أئمة الدين الإثنا عشر بعد النبي صلى الله عليه وآله ، كما أخبر عنهم رسول في الأحاديث المتواترة بين السنة والشيعة ، وكان منهم أيضا الآلاف المؤلفة من كبار العلماء والفقهاء والمحدثين والمفسرين وقادة الأمة .
روى أصحاب التاريخ ، أن خديجة (ع) لما حضرتها الولادة ، بعث الله عز وجل إليها عشرين من الحور العين بطشوت وأباريق وماء من حوض الكوثر ، وجاءتها مريم بنت عمران وسارة وآسيا بنت مزاحم ، بعثهم الله ليعينوها على أمرها ، فلما وضعتها أشرقت الدنيا وإمتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار ، وفاح عطر العظمة وإمتلأت بيوت مكة بالنور ، ولم يبقى في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق بالنور ، وظهر في السماء نورٌ أزهر لم يكن قبلها هذا ، وقالت النسوة خذيها يا خديجة طاهرةً ، معصومةً ، بنت نبي، زوجة وصي، نور رضي ، عنصر زكي ، أم الأبرار ، حبيبة الجبار ، صفوة الأطهار ، مباركةٌ بورك فيها وفي ولدها .
ولما تناولتها خديجة قالت : «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن أبي سيد الأنبياء وأن بَعلي سيد الأوصياء وأن وَلديَّ سادة الأسباط» .
ثم سلمت على النسوة وسمَّت كل واحدة منهن بإسمها وبشّر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة الزهراء (ع) .
يا زهراء ، إن فؤادي ينظر إلى آثارك وتجلياتك بعين البصيرة ، وقلبي يسمع نغمك الربوبي في كل آن ، يا من فطم العارفون عن معرفتك ، وأزهر الكون بأنوارك ، يا بضعة الرسول ، يا حبيبة قلبه ، ويا أم أبيها ، ماذا أقول في حقك لقد عجزت الألسن عن وصفك وجفت الأقلام عن كنه معرفتك ، يا سيدتنا ومولاتنا أيتها الزهراء الصديقة الكبرى التي على معرفتها دارت القرون الأولى .
لولا الزهراء سلام الله عليها لما كان هناك وجود ، فأساس الوجود هو الزهراء سلام الله عليها بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعلها أمير المؤمنين (ع) ، لذلك عندما نقرأ حديث الكساء «ما خلقت سماءاً مبينة ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيرا ولا شمساً مضيئة ولا فَلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فُلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء ،
فقال الأمين جبرائيل : يا رب ومن تحت الكساء
فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة *هم فاطمة* وأبوها وبعلها وبنوها» ، فبدأ بفاطمة قال هم فاطمة ولم يقل رسول الله مثلا ، فجعلها سبحانه مركز التعرف والظهور ، وأنار بجمالها صفحة الوجود ، وشق بسناها ظلمات الجهل والجحود .
نعم إن مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) حجة الله على خلقة فهي من الخمسة أصحاب الكساء الذين قال الله سبحانه فيهم «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» .
والتي أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، كما أشاروا عليهم السلام بأنهم حجج الله وهي حجة الله عليهم ، لذا فإن سيرتها نموذجاً يحتذي به الناس عامة وللنساء خاصة مما يجعل الإقتداء بها طريقا إلى الله .
في الخاتمة نذكر علمائنا الأبرار الماضين ، منهم شيخنا الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي (قدس) ، وسيدنا الأمجد سيد كاظم الرشتي (رض) ، وميرزا حسن الگوهر ، وعمي الأكبر الحاج ميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، وأبي وإستاذي آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، ونذكر الشهداء السعداء شهداء الصلاة والصيام في جامع الإمام الصادق (ع) وشهداء تشييع والدي المقدس قدس سره ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .